ترامب ومنظمة الصحة العالمية
عبد الباري عطوان
أن يكره الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الصين وكيفية إدارتها الناجمة حتى الآن لأزمة كورونا، فهذا أمر معروفٌ ولا جدال فيه، ولكن أن يُحول غضبه وكراهيته إلى منظمة الصحة العالمية التي قدمت خدمات للبشرية باتت موضع إجماع عالمي، فهذا يعكس كراهية واحتقار وعنصرية لكل ما هو ناجح في هذا العالم ويتمتع باستقلالية عن الإدارة الأمريكية.
قرار الرئيس ترامب بوقف جميع مساعدات بلاده لهذه المنظمة العالمية الرائدة (تقدر بحوالي 400 مليون دولار سنويا)، وفي مثل هذا التوقيت الذي تضع جميع دول العالم خِلافاتها جانبا، وتتوحد على أرضية مكافحة وباء كورونا، يؤكد أن هذا الرجل يشكل، بحكم موقعه، خطرا على البشرية جمعاء، الأمر الذي يحتم على الجميع، بما في ذلك الشعب الأمريكي نفسه، إعطاء الأولوية للإطاحة به قبل أن يتحول إلى وباء لا يقل خطورة عن وباء كورونا نفسه.
ترامب لا يحب إلا أمرين أساسيين: الأول دولة الاحتلال الإسرائيلي، والثاني المال العربي «السائب»، ويكره كل ما عدا ذلك، فقد حارب منظمة اليونسكو بسبب إدانة العنصرية الإسرائيلية، وأوقف كل مساعداته عن منظمة «الأونروا» لأنها توفر الحد الأدنى من لقمة الخبز للاجئين الفلسطينيين الذين يريد محوهم من الخريطة، وها هو يسلط سيف مقاطعته المالية على منظمة الصحة العالمية لأن رئيسها إثيوبي (مثل باراك أوباما)، ولم يدعم أكاذيبه وأخباره الزائفة حول فيروس كورونا واتهامه للصين كدولة منشأ له.
أول إنسان روج للمعلومات المغلوطة عن خطر وباء كورونا هو الرئيس ترامب نفسه، ولو كان الأمر بيده لما فرض حظر على الشعب الأمريكي، لأن «البزنس» أهم بالنسبة إليه من حياة الأمريكيين أنفسهم، وبهذا لم يتردد أندرو كومو، حاكم نيويورك، الولاية الأكثر تضررا، من إعلانه رفض لأي قرار للرئيس الأمريكي يطالب برفع هذا الحظر في تمرد غير مسبوق.
نختلف كثيرا مع الدكتور محمد البرادعي، رئيس منظمة الطاقة الذرية الأسبق، في قضايا عديدة ليس هنا مكان حصرها، خاصة تلك المتعلقة بموقفه في حرب العراق، ولكننا نتفق معه في دعوته دولا عربية للمبادرة بسداد حصة أمريكا في منظمة الصحة العالمية لإظهار وجهنا الإنساني، وإيصال رسالة إلى العالم مفادها أن أمنه وسلامه (العالم) ليس مرهونا بسياسة إدارة ترامب الأمريكية الخرقاء، ولكن لماذا لا يكون هذا الجهد جماعيا دوليا تتشارك دول أوربية مثل ألمانيا وفرنسا وبلجيكا، وأخرى غير أوربية مثل كندا وجنوب إفريقيا، في تحمل هذا العبء حتى يكون العقاب لهذا التصرف الأمريكي الوحشي أوسع نطاقا، وأكثر تأثيرا؟
ترامب الذي يتزعم الدولة الأعظم فشل عدة مرات عندما أساء تقدير خطر هذا الوباء أولا، وأثبت عدم استعداد إمبراطوريته علميا وطبيا على مواجهته ثانيا، وأخيرا سقوطه الأخلاقي المريع، واستحقاقه جائزة نوبل في الإجرام وانعدام الإنسانية.
مبلغ 400 مليون دولار تمويل ترامب لمنظمة الصحة العالمية مجرد «فراطة» لدى دول عربية غنية، بالمقارنة مع مئات المليارات من الدولارات التي يدفعها بعضها ثمنا لحمايته على شكل صفقات أسلحة، ولكن هل تجرؤ هذه الدول، أو بعضها على التطوع وسد مثل هذا العجز، وتحدي إدارة ترامب بالتالي؟ لدينا شكوك كبيرة في هذا المضمار بحكم تجارب سابقة بمنظمتي اليونسكو والأونروا، ونأمل أن نكون مخطئين.
الشعب الأمريكي أمامه فرصة ذهبية لإسقاط هذا الوحش البشري الذي يريد الفوز بولاية ثانية، وإذا لم يفعل فإنه سيكون شريكا له كمجرم حرب عالمي لا يتردد في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، بل الشعب الأمريكي نفسه.