شوف تشوف

الرأي

تاريخ الأرض العظيم

بقلم: خالص جلبي

عندما كان الفريق العلمي السويدي الصيني يبحث في منطقة (شينج يانغ CHENGJIANG) من جنوب الصين، يقلب صفحات كتاب «طبقات الأرض»، يقرأ عبر لغة (الباليونتولوجيا) حروفا جديدة تلقي الضوء على مزيد من أسرار تاريخ الأرض، وتفك تلك الطلاسم المخفية من رحلة الحياة البيولوجية للكائنات؛ اصطدم فجأة بكائن صغير في عمق كيلومتر من الأرض، لا يزيد طوله على أربعة سنتمترات، قد ترك آثاره المتحجرة في طبقات الأرض، وعندما أرسل إلى مخبر تقييم الزمن كان الرقم صاعقا، هذه المرة ليس مثل هيكل (أرديبيثيكوس راميدوس ـ ARDIPETHICUS – RAMIDUS) في قصة الإنسان والذي بلغ (4.4) ملايين سنة، بل حوالي نصف مليار سنة (وبالضبط 530 مليون سنة).
ولكن يبقى السؤال: أين يقف هذا الكائن في مسيرة ظهور الكائنات البيولوجية عموما؟ إن المعلومات الموجودة بين أيدينا حتى الآن في علم تاريخ الأرض (الباليونتولوجيا PALEONTOLOGY) تعطينا مسلسلا رهيبا في عمر الزمن والأحداث، تم التوصل إليه من خلال تطوير علوم جديدة في معرفة عمر بقايا الكائنات والحضارات، من خلال ساعات كونية وبيولوجية مغروسة في الطبيعة، كما في ساعة الكربون 14 وعلاقة تحول البوتاسيوم ـ الأرغون؛ فعن طريق تحول الكربون 14 يمكن ضبط الزمن حتى 57 ألف سنة، وعن طريق ساعة تحول مادة البوتاسيوم إلى أرغون يمكن معرفة التاريخ الممتد إلى مليارات السنوات، باعتبار أن نصف عمر تحول الذرات يتطلب 1.25 مليار سنة، ولكن إذا كان عمر الأرض من الناحية الباليونتولوجية قد بدأ رحلته قبل ما يزيد على أربعة مليارات ونصف المليار سنة، يبقى السؤال وهل كانت الحياة موجودة على ظهر الأرض مع بدايتها، أم تلتها بعد فترة؟ وإذا كان الأمر كذلك فمتى بدأت الحياة على وجه التحديد على وجه البسيطة؟ وهل وجدت دفعة واحدة أم ظهرت كما يظهر ممثلو المسرح، والمسرح هنا كوني كما نرى؟ ومتى ظهر الملِك الإنسان أهم شخصيات المسرح الكوني على وجه البسيطة؟
بانوراما (أربع وعشرين ساعة) ـ قصة الحياة على الأرض:
عرضت مجلة ألمانية علمية منظرا كونيا أخاذا مضغوطا في فترة أربع وعشرين ساعة، فلو تصورنا الفيلم الكوني الذي بدأ يظهر على شاشة الوجود منذ 4.6 مليارات سنة، ولكن مختصرا في يوم وليلة، فسوف نرى المسلسل على الشكل التالي ويمكن اختصاره بعشر نقاط أو مراحل:
1 ـ بعد ظهور الكرة الأرضية لم تكن هناك حياة على الإطلاق: ليس هناك إلا الصحراء عبر الأفق، لا يوجد أي أثر لأي نبتة صغيرة أو عشب أخضر أو قطرة ماء. ما يسيطر على ظهر الأرض هو الجفاف والحر، الذي لا يناسب أي لون من الحياة النباتية أو الحيوانية. عواصف مزمجرة من غازات الهيدروجين والهليوم تعبث بالمناخ، والرعد يفرغ شحنته الكهربية في صورة برق وهاج ساطع. الأرض تهتز وتترنح وتبصق الحمم البركانية، محولة ظهر الأرض إلى جحيم يتلظى. ثم جمدت القشرة الأرضية أخيرا قبل 4.5 مليارات سنة، وتشكلت الصخور ولم تبدأ الحياة بعد.
2- بقيت الحالة هكذا لمدة 800 مليون سنة بدون نفس وأثر للحياة: لم يوجد الأكسجين بعد. وعند الساعة الثانية صباحا و45 دقيقة، أي قبل حوالي أربعة مليارات سنة، بدأ تشكل الماء وامتلأت البحار بالماء الدافئ، وبدأ تشكل الجزيئات العضوية الكبيرة مثل السكر والأحماض الأمينية.
3 ـ في الساعة الخامسة والثلث صباحا: بدأ ظهور الخلايا الأولية على سواحل أستراليا، وبدأ تشكل الجينات الأولية (الكروموسومات التي تحتوي على الأحماض النووية)، كان هذا قبل 3.5 مليارات سنة.
4 ـ بدأت رحلة الخلية بدون نواة: واستمرت فترة طويلة حتى استقر وضع الحمض النووي، وأخذ هذا التوجه حوالي ملياري سنة. قبل أن تتشكل الخلية ذات النواة، التي هي وحدة الحياة الأساسية. وعند الساعة الثامنة ليلا وعشر دقائق من هذا التقويم بدأ تشكل الخلايا الوحيدة.
5 ـ عند الساعة التاسعة ليلا (الساعة 21): أي بعد مرور قرابة 3.6 مليارات سنة من الرحلة، تبدأ الرخويات واللافقريات في الظهور في الماء، أي قبل حوالي 720 مليون سنة.
6 ـ عند الساعة التاسعة مساء وخمس وثلاثين دقيقة (الساعة 21:35): أي بعد مرور حوالي أربعة مليارات سنة من تشكل الأرض تبدأ الحياة بالانفجار في تنوع محير، وهو ما كشفت عنه البحوث الباليونتولوجية حديثا.
7- عند الساعة التاسعة ليلا وسبع وخمسين دقيقة (الساعة 21.57): بعد مرور 4.1 مليارات سنة على بدء تشكل الأرض؛ ظهرت النباتات والأشجار إلى الوجود وما زال الوقت طويلا بعد أمام ظهور الإنسان.
8 ـ وقبل أن تختم الساعة الحادية عشرة ليلا (الساعة 22:48): ظهرت الديناصورات العملاقة تدب على الأرض بأطنانها الثقيلة وأدمغتها القاصرة. كان ذلك قبل 225 مليون سنة من الآن، ولكنها اختفت من وجه الأرض تماما وبالكامل بلغز لم يتم التأكد منه حتى الآن قبل 65 مليون سنة، وتشير بعض النظريات إلى اصطدام الأرض بمذنب كبير غير الظروف الحياتية على الأرض فقضى على الديناصورات، ومن هنا نفهم سخافة الأفلام وخطأها العلمي، عندما يظهر الإنسان مع الديناصورات في وقت زمني واحد؛ فالإنسان لم يعاصر الديناصورات نهائيا، وعندما ظهر الإنسان على ظهر البسيطة لم يكن هناك أثر لتلك الأوابد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى