تأثير الفراشة
جهاد البريكي
قبل عدة أيام قامت فتاة في إحدى ولايات أمريكا بإرسال صورة لها ترتدي فستانا داخل محل فساتين بالخطأ لرقم مجهول، كانت ترغب في إرسالها لأحد أصدقائها لتطلب منه مساعدتها في اختيار الفستان وإعطاءها رأيه إن كان مناسبا أو لا.. الصورة وصلت لهاتف شخص آخر، رجل أربعيني كان متواجدا في البيت رفقة أبنائه الأربعة، فقام بإرسال صورة لصاحبة الفستان يعبر فيها هو أطفاله عن إعجابهم بالفستان، وكتب رسالة مفادها أن زوجته ليست في البيت لتساعدها ولكنه هو وأطفاله يجدون الفستان هائلا ولا يجدر بها أن تتردد في شرائه..
نشرت الفتاة الأمريكية المحادثة التي جمعتها بهذا الرجل، لتكتسح «التويتر» ويصبح الأب وأطفاله حديث المواقع والتغريدات.. المفاجئ في الأمر أن الزوجة التي كانت غائبة ذلك اليوم هي في الحقيقة كانت برفقة طفلهما الخامس، في أحد المستشفيات لتلقي العلاج الكيميائي بسبب إصابته بسرطان الدم. تفاعل المجتمع الأمريكي كله مع هذه الأسرة وقاموا بإنشاء حساب لجمع التبرعات، ولتغطية علاج الطفل المريض. وبالفعل ففي أقل من أيام معدودة تجاوز مبلغ التبرعات نفقات العلاج الضرورية.. موقف إنساني رائع كانت بدايته فقط صورة أرسلت بالخطأ. بغض النظر عن روح هذا الأب المتألقة وإيجابيته رغم مرض ابنه وتقبله لمصابه بفرح!
قصة هذه الفتاة هي قصة صادفت كثيرين منا ومازالت، فيستيقظ أحدنا في يوم عادي يشبه كل الأيام التي سبقته، يباشر عمله أو دراسته كما اعتاد دائما، ثم يحصل معه موقف بسيط قد يغير كل مساره وحياته، ربما اتصال يأتيه بخبر ينسف كل توقعاته، أو رسالة تكون حجر أساس لحلم طالما انتظره. أو لقاء بدون سابق إصرار بشخص يزحزح كل أعمدة مشاريعه. فنبقى جميعا ممتنين لهذه الصدف البسيطة طيلة أيامنا.
هناك مواقف تمر بنا تجعل أعمارنا منقسمة إلى قسمين: قبل وبعد. أغلبها تكون بسيطة تحمل في طياتها أشياء ربما لو جلسنا نخطط لها لاستنفدت كل طاقاتنا وأوقاتنا ثم لم تتحقق بالشكل الذي أتت به تامة مثالية. فيزيائيا يطلق عليه «تأثير الفراشة».. فهل يمكنك تخيل فراشة تحدث إعصارا برفرفة جناحيها؟!.. هذا ما قدمه عالم الأرصاد الجوية والرياضيات إدوارد لورنز في أعماله المتعلقة بتأثير الفراشة أو نظرية الفوضى. ومن بين أغرب استنتاجاته أن رفرفة فراشة في ريو دي جانيرو يمكنها أن تسبب إعصارا في تكساس بعد أسبوعين من الزمن. تماما كما يمكن لابتسامة عادية أن تغير يوم شخص بأكمله، تماما كما يمكن لخمس دقائق تمنحها لمن يطلب مساعدتك أن تخرج شخصا من دوامة الحيرة إلى طمأنينة اليقين.
عندما تراقب العالم وأطوار الحياة وتقلباتها، وتشاهد كيف تتغير أنظمة ضاربة في قلب التاريخ، فقط بسبب صفعة شرطية لبائع فواكه..، لتندلع ثورة بسبب نتائج هذه الصفعة تجتث رئيسا من كرسيه وهو الذي كان يعتقد أنه باق ما بقيت السموات والأرض.. ثم تتأمل كيف أن أعمال شغب من طلاب جامعات في سراييفو أدت إلى مقتل ولي عهد النمسا لتندلع بعدها حرب عالمية يقتل العالم فيها بعضه بعضا، وصل عدد ضحاياها لملاين يصعب عدها. ثم تعود للتاريخ لتجد أن الفراشة كانت دائمة موجودة تضرب بجناحيها لتعيد تشكيل العالم، فواحدة من أطول الحروب التي عرفتها البشرية والتي دامت أربعين سنة، وهي حرب «البسوس» التي قضت على عائلات وأسر وقبائل تناحرت في ما بينها وكان السبب ناقة..
كل شيء كيفما كانت بساطته يمكنه أن يصنع تغييرا جبارا.. وكل موقف بسيط تظنه لا قيمة له يمكن أن يكون سببا في تغيير حياة شخص، للأحسن أو الأسوأ.
وهنا يحضرني حديث رقيق وجميل لرسول الله صلى الله عليه وسلم، «لا تحقرن من المعروف شيئا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق».