شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

«بِدعة» معادلة الشهادات

 

مقالات ذات صلة

 

يونس جنوحي

موضوع معادلة الشهادات التي يحصل عليها المغاربة في دول أجنبية مع الشهادات المغربية، لا يزال مُقلقا لكل الذين يفكرون- أو فكروا ونفذوا فكرتهم- في الدراسة في دول آسيا وحتى أمريكا الجنوبية.

وسواء تعلق الأمر بمعادلة شهادة أجنبية في المغرب، أو معادلة شهادة مغربية في الخارج، وهذا لوحده موضوع آخر، فإن الأمر أحيانا يصبح مغامرة مقلقة، تماما مثل ما وقع للشبان المغاربة الذين كانوا يتابعون دراستهم في أوكرانيا إلى أن اندلعت الحرب.

بعض الدول تتخذ أحيانا قرارات عجيبة، مثل ما قامت به ألمانيا، قبل عامين، عندما قررت عدم فتح أبواب سفارتها أمام الطلبة المغاربة الجدد الحاصلين لتوهم على شهادة البكالوريا، بدعوى أن حكومتهم سجلت حالات فرار كثيرة لتلاميذ مغاربة حصلوا على تأشيرات، ومن ثم بطائق إقامة، على أساس أنهم طلبة تسري عليهم قوانين الطلبة الأجانب، بما في ذلك عدد ساعات العمل المسموح لهم بها، والمبالغ المالية المودعة في الأبناك الألمانية، لضمان معيشتهم طيلة فترة الدراسة. إلا أن أغلب هؤلاء التلاميذ ضربوا القوانين عرض الحائط، وتسببوا في حرمان الخريجين من بعدهم من الالتحاق بالجامعات والمعاهد الألمانية. وهذه الأخيرة، وهنا مربط الفرس، تتشدد في معادلة الشهادات المغربية، علما أن حالات كثيرة لتلاميذ مغاربة، في المستوى الجامعي، أو حتى في المدارس الابتدائية والثانوية الألمانية، من الملتحقين في إطار التجمع العائلي، أكدت أن المستوى الدراسي لهؤلاء التلاميذ من أبناء المدرسة العمومية المغربية، لا يختلف في شيء عن مستوى أقرانهم الألمان، بل إن أبناء المغاربة تفوقوا في مختلف معاهد أوروبا ومدارسها العليا.

ربما سيكون صادما لأغلب من يطالع هذه الأسطر، أن أول شهادة عليا من العالم العربي والإسلامي أجرت الحكومة الألمانية معادلة لها، هي شهادة العالم والرحالة المغربي، محمد تقي الدين الهلالي، في منتصف ثلاثينيات القرن الماضي.

هذا الرجل الذي وُلد في نواحي تافيلالت سنة 1893، لم يكن هو نفسه يتوقع أن يُصبح من العلماء الكبار، ومؤسسي التيار السلفي في المغرب وشمال إفريقيا، وأستاذا محاضرا في برلين وبون بألمانيا والعراق والهند وباكستان.

عندما قرر الهلالي الدراسة في أوروبا، لم ينجح في الالتحاق بجامعة في بريطانيا، ولم يكن محظوظا في سويسرا، لكنه كان محظوظا أكثر عندما التقى فيها بشكيب أرسلان.

هذا المفكر اللبناني، الذي يُلقب أيضا بالأمير أرسلان، والذي كان صديقا لأشهر الشخصيات المغربية، هو الذي كان وراء رحيل تقي الدين الهلالي إلى ألمانيا، إذ أعطاه رسالة توصية، نهاية ثلاثينيات القرن الماضي، ونصحه بالتوجه إلى ألمانيا، قبل بداية الحرب العالمية.

وهناك عادل الهلالي شهاداته، وعاش في مدينة «بون» والتحق بالجامعة الألمانية، مُحاضرا، وتعلم الألمانية واستفاد منه المستشرقون الألمان، بل وتفوق عليهم، وتوّج تجربته بمناقشة رسالة الدكتوراه.

وبعد تجربة بون، انتقل إلى برلين، لكي يعمل في الإذاعة الألمانية سنة 1940، وكان مسؤولا عن القسم العربي، وأشرف على برامج أسست لبداية وجود الجالية العربية في ألمانيا.

بعض المشارقة يتهمون الهلالي بالتحالف مع الديكتاتور النازي أدولف هتلر، وخدمة أجندته في أوروبا باللغة العربية. لكن الأمر ليس صحيحا، إذ أن الهلالي استفاد فقط من التوجه العام في ألمانيا النازية، والذي يقضي بمهاجمة أعداء ألمانيا في مستعمراتهم وباللغة العربية، وفرنسا كانت من بين الدول التي يكن لها هتلر العداء، واستثمره الهلالي لصالحه.

اتجه الهلالي إلى العراق بعد تجربة ألمانيا الغنية، والتي أضاف إلى خزانتها مؤلفات تحمل اسمه، باللغة العربية، ومقالات باللغة الألمانية التي تعلمها هناك وأتقنها وترجم إليها عددا من الأعمال التي لا تزال مرجعية إلى الآن في الفكر والفلسفة والأدب.

في العراق قدّم الهلالي طلبا للحصول على الجنسية العراقية لتسهيل تنقلاته في الشرق، خلال الأزمة المغربية، لكن طلبه رُفض، لأنه تلاسن مع مسؤول في الخارجية العراقية انتقص من المغرب قبل نفي الملك الراحل محمد الخامس، ومزّق طلب الهلالي.

عاش الهلالي حياة مديدة في المغرب بعد الاستقلال، وختم مسيرته سنة 1987، والتي قاربت قرنا من الزمن، واكب فيها الكثير من الأحداث. لكنه ربما لم يكن يتوقع أن يبقى موضوع جواز السفر ومعادلة الشهادات عائقا، حتى بعد أن غزت أسلاك الإنترنت العالم.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى