شوف تشوف

الافتتاحية

بيوت الله للدعوة وليس للدعاية

أصدرت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، مذكرة تدعو فيها القيمين الدينيين إلى التزام الحياد التام في خُطبهم ومواعظهم وتفادي كل ما قد يفهم منه، صراحة أو تلميحا، قيامهم بالدعاية لفائدة أو ضد هيئة سياسية أو نقابية، أو أي مترشح. هذه الخطوة، من أجل تحصين الحقل الديني في المملكة المغربية، من أي تدخل أو استغلال سياسي أو انتخابي. صحيح أن القوانين الانتخابية تمنع الدعاية الانتخابية في أماكن العبادة، كالمساجد والأضرحة والزوايا، كما تمنع، أيضا، إظهار أي معلمة دينية في منشورات الدعاية الانتخابية، سواء الإلكتروني منها أو المطبوع، إلا أن السلطات المشرفة على تدبير الحقل الديني أصرت على تذكير الأحزاب السياسية ومن يواليها من تنظيمات دينية بإبعاد 51 ألف مسجد وأكثر من 120 ألف قيم ديني عن معترك الصراع السياسي.
قرار وزارة الأوقاف لا يعني أن نحجر على حق أئمة المساجد والقائمين عليها في ممارسة حقوقهم الدستورية، لا سيما في التصويت، وأن تكون لهم تفضيلاتهم السياسية الخاصة بهم، ولكن ليس داخل بيوت الله، وليس بصفتهم دعاة إلى الله حتى لا يختلط الأمر على الناس، بين ما هو انتماء سياسي بشري وما هو عقيدة إلهية مقدسة، وبين ما هو دعوي لله وما هو دعائي للأحزاب. فالمساجد لله ملاذ للبشر بكل انتماءاتهم السياسية والطبقية والجنسية والعرقية، أما الانتخابات فهي للناخبين والإيديولوجيات والبرامج، والمساجد لم تبن لهذا الأمر.
ولولا أن الصرامة التي تشكلت بها بنية النظام السياسي، التي جعلت الشأن الديني مجالا محفوظا للملك، باعتباره أميرا للمؤمنين كما ينص على ذلك الفصل 41 من الدستور، لكنا أمام مسجد للعدالة والتنمية وآخر للاستقلال وثالث للأحرار ورابع للحركة الشعبية، وهكذا ولوجدنا أمناء عامين وأعضاء مكاتب سياسية وأمانات عامة يخطبون في الناس يخصصون عائلاتهم السياسية بالمدح والتشجيع والاستقطاب، ويضعون خصومهم في مقام النقد والتهجم. ولتحولت المساجد من رمز للثوابت الجامعة إلى فضاء للفرقة السياسية، مع ما يترتب على ذلك من تطاحنات وإراقة للدم وفوضى في الفتاوى وفتن في دين الله.
لذلك فعلت وزارة الشؤون الإسلامية خيرا حينما قامت على وجه التذكير، بمطالبة السياسيين بالابتعاد عن بيوت الله، فلا يمكن أن يكون هناك تدافع سياسي وانتخابي سليم على حساب معتقدات دينية راسخة، وقد قال رسول الله في حديث شريف: «إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا لا أربح الله تجارتك»، وليس هناك من تجارة تستحق اللعن أكثر من استغلال بيوت الله للاتجار السياسي فيها وبها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى