بيلاروسيا: عد عكسي في وجه ضغط إيديولوجي
بيير لوي ريمون
أجل. لقد انطلق العد العكسي على الحدود الشرقية لأوروبا، فصارت إشكالية ضبط السياسة الأوروبية للهجرة مطروحة على الاتحاد الأوروبي أكثر من أي وقت مضى.
وأكثر من أي وقت مضى أيضا، وجبت مساءلة فعالية منظومة الإجراءات الواقية لما يسمى حدود أوروبا الخارجية، والمشمولة في مهام وكالة «فرونتكس».
يرابط قسرا، حاليا، على الحدود الفاصلة بين بيلاروسيا وبولندا، زهاء أربعة آلاف مهاجر، فباتت تخطف الأضواء قرية كوزنيكا البولندية، التي كانت مجهولة إلى ذلك الحين. هكذا فتحت جبهة جديدة لأزمة الهجرة على الحدود الأوروبية، بعد جبهتي تركيا واليونان، وقبلها فرنسا وبريطانيا في منطقة كاليه.
لكن حالتي بيلاروسيا وتركيا تختلفان عن حالة كاليه، التي تمارس فيها السلطات تسييرا للحدود.
في تلك الحال، استقدم المهاجرون عمدا إلى المنطقة المعنية، كما استخدموا بسبق إصرار وتدبير كعملة يقع بها توظيف سافر لمآسي الناس لأغراض إيديولوجية.
فالدول الغربية تتهم مينسك بافتعال الأزمة، منذ الصيف، ردا على عقوبات فرضتها على نظام الرئيس البيلاروسي لوكاشنكو، بعد أن قمع حركة معارضة عام 2020.
من المعروف أن بولندا تقع على «الممر الهجري»، أي ذلك الطريق الذي يصل من يعبره بقلب أوروبا، ومن يستهدف الحدود الفاصلة بين بيلاروسيا وبولندا، إنما يستهدف ضرب القارة العجوز في الصميم.
حينها، تنطلق دوامة انتهاك الاتفاقات والمعاهدات الدولية على نمط مراوغة المنظومة القانونية للهجرة ومداراتها، بتشريع إعادة المهاجرين إلى حيث أتوا. فالتسمية التي أطلقتها السلطات البولندية على عملية الإعادة «pushback» التي تنفذها حاليا، بعبارة أخرى عملية إعادة المهاجرين إلى ما وراء الحدود، لا تؤشر سوى إلى خرق للقانون الدولي، جعلته الحكومة البولندية في حكم المقبول بتعديل قانون البلد على أساس انتهاك معاهدة جنيف للاجئين.
والنتيجة كانت متوقعة: منها، على سبيل المثال لا الحصر، أن تعيد طائرة «بوينغ 747» تابعة للخطوط الجوية العراقية 431 شخصا إلى مطار أربيل في كردستان العراق.
رجال ونساء وأطفال يخفون وجوههم عند نزولهم من الطائرة، اتقاء من الظهور على محطات التلفزيون المحلية.
الكل يحمل أغراضه الشخصية في حقائب ظهر أو أكياس بلاستيكية.
شهادة لأحد العائدين قال فيها لـ«فرانس برس»: «أنفقنا 4 آلاف دولار للوصول إلى بيلاروسيا. أكلنا الحشائش وأوراق الأشجار، وكان الطقس باردا».
وأيضا هذا التصريح، لشاب من أكراد العراق يبلغ من العمر 30 عاما: إنه قرر تسجيل اسمه في رحلة الإجلاء مع زوجته، بعدما حاولا عبور الحدود ثماني مرات على الأقل، من بيلاروسيا إلى ليتوانيا وبولندا.
هذا ما حملته إلينا وكالات الأنباء، في متابعتها لتلك الخاصرة في شوكة السياسة الأوروبية الاتحادية الحالية.
السياسة الاتحادية، جاء دور فرنسا لتترأسها ولتجابه بقيادتها هذا العد العكسي، الذي فرضه ضغط إيديولوجي تمارسه بيلاروسيا بلا حسيب ولا رقيب.