شوف تشوف

الرأي

بيان سعودي يتحدث عن دعم المعارضة للوصول إلى «سوريا جديدة»

بعد تأجيل استمر لأربعة أيام، بدأت الجولة الأولى من مفاوضات جنيف حول الأزمة السورية بحضور معظم فصائل وأحزاب المعارضة، إلى جانب وفد الحكومة السورية بقيادة السيد بشار الجعفري.
جينادي جاتلون، نائب وزير الخارجية الروسي، أكد أن المفاوضات لن تكون مباشرة، وسيقوم ستيفان دي ميستورا المبعوث الدولي بدور المفاوض، ونقل الأفكار المطروحة بين الجانبين، وأكد أنه لن تكون هناك أي شروط مسبقة.
وفد الهيأة العليا للتفاوض المنبثق من مؤتمر الرياض وصل إلى جنيف مساء السبت برئاسة رياض حجاب على متن طائرة سعودية خاصة بعد تلكؤ استمر لمدة ثلاثة أيام، ونتيجة لضغوط مكثفة، كان آخرها إصرار الأمم المتحدة ومبعوثها على عقد المؤتمر في موعده «بمن حضر» ودون انتظار وفد الرياض.
الهيأة العليا للمفاوضات لم يكن أمامها أي خيار آخر غير الذهاب إلى جنيف، لأن أي رفض يعني خسارتها لتأييد القطبين العظميين في العملية السياسية الرامية إلى التوصل إلى حل سياسي للأزمة، أي أمريكا وروسيا، وأكد على ذلك صراحة تهديد جون كيري وزير الخارجية الأمريكي للسيد حجاب، عندما التقاه قبل أسبوعين في الرياض بأنه وهيأته لن يتمتعا بالدعم الأمريكي إذا تخلفا عن المشاركة، كان هذا التهديد عنصرا حازما وحاسما في هذا المضمار.
لقاء عادل الجبير، وزير الخارجية السعودي، بالهيأة العليا للمفاوضات ورئيسها حجاب مساء الجمعة حمل التعليمات الواضحة بضرورة المغادرة إلى جنيف دون أي إبطاء، لأن البدائل الأخرى مرعبة، للطرفين السعودي والسوري المعارض في ظل التفاهم الروسي الأمريكي، ودعم الأمم المتحدة له.
ومثلما غطى الوفد المعارض قراره المتلكئ بالمشاركة في مؤتمر جنيف بعد تلقي ضمانات دولية وأممية لاختبار جدية النظام، عملت الخارجية السعودية الشيء نفسه، عندما أصدرت بيانا على لسان متحدث باسمها (يعتقد أنه الجبير نفسه) مساء الجمعة «أكدت فيه على موقف المملكة الداعم للمعارضة السورية وللحل السياسي المستند إلى مبادئ إعلان «جنيف 1» الذي تضمنه قرار مجلس الأمن رقم 2254 بتشكيل هيأة انتقالية للحكم، تتولى إدارة شؤون البلاد، وصياغة دستور جديد لسوريا، والإشراف على الانتخابات وصولا إلى سوريا جديدة لا مكان فيها للأسد».
أربع كلمات وردت في البيان لا يمكن المرور عليها مرور الكرام دون التوقف عندها، لأن اثنتين منها جديدتان، والأخريين جرى تكرارهما طوال العام الماضي، وهما «سورية جديدة لا مكان فيها للأسد».
إنها كلمات تحتاج إلى جيش كامل من السياسيين والجنرالات العسكريين لتفسيرها، وبالتالي وضع «خريطة طريق» لترجمتها على أرض الواقع، وهي ترجمة قد تحتاج إلى عقود، إن لم يكن أكثر لتطبيقها على الأرض.
فأي «سورية جديدة» تريدها المملكة العربية السعودية، وكيف ستكون هويتها، وطبيعة نظامها، فهل ستكون متطابقة مع نظام الحكم السعودي وصورة عنه، أم مثل «العراق الجديد»، أم «ليبيا الجديدة»، أم اليمن الجديد»، وجميع هذه الدول لعب التدخل العسكري والسياسي السعودي دورا، وما زال (مثلما هو حادث في اليمن) في وصولها إلى ما وصلت إليه من انقسامات طائفية وعرقية ومناطقية.
لا نجادل مطلقا، بأن المجتمع الدولي، والشعب السوري على رأسه، يتطلع إلى «سورية جديدة» ولن يسمح، بل يجب أن لا يسمح، مطلقا باستمرار «سورية القديمة» والممارسات التي كانت تمارس فيها من غياب للديمقراطية، ومصادرة للحريات، وفساد القضاء، ومعظم، إن لم يكن كل مؤسسات الدولة، والتغول الأوتوقراطي، وهيمنة الدولة البوليسية، ولكن ما هو المنظور السعودي لـ«سورية الجديدة» هذه، وإذا كانت هناك صيغة جاهزة فعلا، تقوم على أسس الديمقراطية والتعددية، والمساواة، والقضاء العادل المستقل، فلماذا لا نراها تطبق حرفيا على الدول العربية، وأولها المملكة العربية السعودية نفسها؟
عبارة «سورية الجديدة» باتت تذكرنا وغيرنا بالعراق الجديد، الذي بات واحدا من أكثر الدول فسادا في العالم، ويغرق في مستنقع التفتيت الطائفي والعرقي، وغياب الهوية الوطنية الواحدة، ففي الماضي كنا نتحدث عن عراق مقسم إلى ثلاث كيانات على أسس طائفية وعرقية، الآن بتنا نتحدث عن أكثر من هوية شيعية وسنية، وأكثر من هوية كردية، والدول الثلاث مرشحة لكي تتحول إلى ستة أو حتى 12 دولة وكيان.
المسألة لم تعد بقاء الأسد من عدمه، وإنما بقاء سورية من عدمها، وتفتتها ككيان، وهذا النقطة تغيب عن أذهان جميع المتورطين في الأزمة السورية عسكريا، أو سياسيا، فحتى «الخطة أ» التي تبنتها القوى الداعمة للمعارضة المسلحة، أي تغيير النظام، تآكلت، فبعد خمس سنوات لم تعد هذه الخطة عملية ومطروحة، وبات الجميع متفق على بقاء النظام ومؤسساته والخلاف بات على استحياء حول رأسه، في الإعلام فقط، لكن الجميع تقريبا بات يقبل به في أحاديث الغرف المغلقة، ولو إلى حين.
بالأمس سمعنا الدكتور إياد علاوي أحد أبرز المتورطين في مشروع الغزو الأمريكي للعراق يترحم والملايين من العراقين على حكم صدام حسين «والعراق القديم»، فهل نسمع معارضين سوريين والملايين من أنصارهم يقولون الشيء نفسه في ما هو قادم من أيام؟ نحن نسأل فقط.
«الحل السياسي» في سورية يتراجع لمصلحة «الحل العسكري»، منذ التدخل الروسي بقوة عسكريا في الأزمة، وتتضح ملامح هذه المعادلة من خلال التقدم الذي حققته القوات الحكومية في جبهتين الشمال والجنوب (درعا) في الأسابيع الأخيرة بدعم من الغطاء الجوي الروسي، الأمر الذي أعطى حالة من الثقة للنظام السوري وقيادته، انعكست في مفاوضات جنيف ومستقبلها بطريقة أو بأخرى.
لا يمكن أن تكون هناك «سورية جديدة» نموذجية وديمقراطية إلا إذا كانت هناك «سعودية جديدة» و«مصر جديدة»، و«جزائر جديدة»، و«مغرب جديدة» ودول «خليجية جديدة»، وهكذا دواليك، ولا استثناء لأحد، أما غير ذلك فإن «سورية الجديدة»، وبفضل التدخلات العسكرية والعربية الخارجية، ستصبح مثل «العراق الجديد» و«اليمن الجديد» و«مصر الجديدة»، وليبيا الجديدة»، بحيث يمتد هذا البديل، وعنوانه الأبرز الفوضى والدموية إلى المنطقة العربية بأسرها.
اجتماعات جنيف مجرد كسب للوقت ومحاولة لإدارة الأزمة السورية وليس حلها، ولن يكون حالها أفضل من نظيراتها الفلسطينية والليبية واليمنية، والباقي لفهمكم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى