بومعرافي اختير لصعود المنصة وإفراغ مسدسه في بوضياف
يونس جنوحي
تم تحديد هوية الشخص الذي سيوكل إليه الجنرالات قتل الرئيس محمد بوضياف. وقع الاختيار على عسكري مغمور جدا اسمه بومعرافي. عسكري بدون أي إنجاز ملفت، باستثناء سجل من التمرد على القوانين الداخلية للثكنات وتعرضه للعقوبات مرات كثيرة واستمراره في استعراض الرفض للانصياع للقوانين العسكرية.
مهمة قذرة
يصف هشام عبود اللحظة التي علم فيها بومعرافي بتفاصيل المهمة التي اختير من أجلها: «كان بومعرافي مندهشا عندما استقبله الكولونيل إسماعيل شخصيا. لقد كان يحس كما لو أنه في حضرة الإله. علم هناك إذن أنه مكلف بمهمة غاية في الأهمية، وهي اغتيال رئيس الدولة. بومعرافي لم يكن يقدر على رفض أمر من مصدر بهذه الأهمية. الرفض، أو مجرد نقاش حول الموضوع قد يقوده إلى الموت. لن يستطيع الخروج من مكتب إسماعيل على قيد الحياة».
أحس بومعرافي أن الجنرالات الكبار في الدولة وضعوا ثقتهم فيه، وحسب هشام عبود، فإن هذا الإحساس جعله قادرا على البقاء متماسكا عندما كان في مكتب الكولونيل إسماعيل. وبما أنهم اختاروا توريطه في القضية معهم، فهذا يعني أنه عسكري مهم جدا، وأنهم لمسوا فيه ما يؤهله دون آلاف العسكريين غيره، للقيام بالمهمة. يقول عبود وهو يصف حالة الإغراء التي دخل فيها بومعرافي: «الترقية إلى رتبة ليوتنان لم تتأخر، وسوف يكون محميا من طرف الرؤساء الكبار».
الكولونيل إسماعيل كان بالنسبة لعسكري مغمور مثل بومعرافي، ضمان مستقبل للاغتناء السريع في الجيش دون حسيب ولا رقيب. إذ إن هذا الشخص الذي اختير لاغتيال الرئيس كان يسمع عن الأموال التي تضخ في جيوب الجنرالات، وكغيره من أبناء العسكريين القدامى الذين ضحوا بأرواحهم من أجل الجزائر وماتوا مطمورين في الفقر والأكواخ المتواضعة التي خصصت لأسر الجيش الوطني، فقد كان ناقما جدا على كل من يتحركون في الواجهة، وبالتأكيد فإنه لن يضيع فرصته. بوضياف بالنسبة إليه مجرد واحد من الذين يسيرون البلاد، وأحد المسؤولين عن معاناته الطبقية. لذلك لم يفكر كثيرا لكي يوافق على تنفيذ المهمة لعله يصبح بدوره أحد العسكريين الأغنياء.
من وقع على موت الرئيس؟
«صدر أمر بمهمة بشكل مستقل، وسُلم لـ«بومعرافي» لكي ينضم إلى المجموعة. الورقة وقعها الكوماندان حمو. لم يكن الكولونيل إسماعيل ليختار شخصا بشكل عشوائي لكي يُوقع الورقة. إنه حمو، الكوموندان في جهاز GIS، وهو الذي درس «بروفايل» القاتل الذي تم اختياره. إنه الوحيد الذي كان يعرف هوية العناصر التي تعمل معه. تورطه في القضية سوف يذهب بعيدا، حسب تصريحات الجنرال خالد نزار.
في اليوم الموعود، كان بومعرافي يتحرك بحرية بالغة ويتنقل بين المصالح المختلفة للأمن دون أن يتم توقيفه أو مساءلته. كان يحمل معه مسدس «بيريطا» تسعة ملمترات، مثل كل عناصر جهاز GIS. وكان يحمل معه أيضا قنبلة يدوية، حيث كان عليه فتحها وإلقاؤها من وراء الستار لكي تتدحرج إلى قدمي الرئيس، ثم بعدها يتعين عليه صعود المنصة وإفراغ خزان الرصاص فوق الرئيس».
يقول هشام عبود إنه بعد اغتيال محمد بوضياف تساءل بعض الصحافيين والمهتمين عن مصدر القنبلة التي بقي بومعرافي يحملها معه. ويقول عبود إن بومعرافي استطاع مراوغة رؤسائه، والاحتفاظ بالقنبلة اليدوية التي كانت قد سُلمت إليه مسبقا لاستعمالها في عملية إرهابية مُدبرة قام بها الجيش وتلك العملية حدثت أياما قليلة فقط قبل أن يسافر الرئيس بوضياف إلى عنابة ويتم اختيار بومعرافي لاغتياله.
هذه الجزئية تفضح بشكل واضح تورط الجيش الجزائري في العمليات الإرهابية التي راح ضحيتها الآلاف خلال مرحلة العشرية السوداء طيلة تسعينيات القرن الماضي.
بومعرافي كان عنصرا من «القتلة» الذين فبركوا العمليات الإرهابية ونسبها النظام إلى عناصر جبهة الإنقاذ. ولأن المسؤولين فوقه لم يكونوا يتحاسبون معه ومع زملائه بخصوص الذخيرة والأسلحة، فقد احتفظ بها وقرر أن يستعملها خلال عملية الاغتيال.