شوف تشوف

ثقافة وفن

بوتفليقة يمنح وزراءه سيارات مدرعة وأربعة رجال أمن مرافقين لكل وزير

إعداد : حسن البصري
التحق محيي الدين عميمور بمنصبه القديم الجديد، في مقر الوزارة على هضبة القبة المطلة على خليج الجزائر، وهو المقر الذي بني في بداية عهد الشاذلي بن جديد، ويسمى قصر الثقافة. وهو آخر إنجازات المؤسسة الهندسية العربية التي كان قد كونها مصطفى موسى وأشرفت على بناء قصر الأمم وفندق الأوراسي ومسجد الأمير عبد القادر بقسنطينة.
«كانت تابعة في البداية لشركة البترول الكبرى «سوناطراك» بقرار سياسي، على أساس أن ذلك سيعطيها حرية الحركة بعيدا عن البيروقراطية التي يسيطر عليها اللوبي المفرنس، واتسع نشاط المؤسسة التي كانت تتولى كل ما يتعلق بالبناء بما في ذلك إعداد الأثاث المناسب له من المصنوعات الخشبية، وتمكنت من توفير الأثاث لمؤسسات كثيرة ولكن أيضا لبيوت عدد من المسؤولين، ومعظم هؤلاء لم يدفعوا مستحقات الإنجاز بل وتكاليف المواد الأولية، فأخذت المؤسسة في التعثر، وعند تعييني في الوزارة اكتشفت أنها وضعت تحت رعاية الوزارة بحجة أن ذلك يضعها في مكانها الثقافي، وحملت اسم سنيرتا، ونادى أحد أسلافي في حكومة بوتفليقة الأولى، كما نقل لي، بالتخلص منها، وتخصص العاملون بها في الاعتصام أمام مدخل الوزارة للشكوى من مشاكلهم المعقدة، الناجمة عن ثغرات الميزانية، وانتهى بها الأمر بعد خروجي من الوزارة إلى الحل، وخسرت الجزائر ورشة عمل متخصصة في الهندسة العربية».
في هذا الفضاء يوجد ما يسمى قبة الترحم، التي يتوقف فيها كبار المسؤولين للترحم على الشهداء، لكن طبيعة الترحم عرفت جدلا واسعا في صفوف رجال الدين بالجزائر: «كان المفروض في البداية أن يضع الرئيس باقة ورد على النصب الذي يخلد الشهداء ويقف احتراما عند عزف موسيقى الترحم الرسمية، ثم ينزل إلى القبة ليتلو الفاتحة، لكن ما حدث هو أن المكلفين بالتنظيم، وتحت حجة تبسيط المراسم، جعلوا الرئيس يقرأ الفاتحة أمام النصب الذي توجد به الشعلة، وكانت فرصة للمتطرفين «المتأسلمين» لكي يعتبروا الأمر نوعا من المجوسية، أو عبادة النار، وأطلقوا على المقام اسم «هبل»، فأطفئت الشعلة للأسف، وظلت طقوس الترحم كما هي، ولم يعد يزور قبة الترحم إلا الضيوف الأجانب، وأصبح الرئيس يتلو الفاتحة أمام الشعلة المطفأة».
شرع عميمور في مهامه لكن أول ما لفت نظره هو جهاز الأمن المتبع لحماية الوزراء، والذي كان حسب اعتقاده ضعيف الفعالية ولا يحقق الأمن الكافي، «في اليوم الأول الذي تسلمت فيه مهامي جاءني أربعة من شباب الأمن الوطني كلفوا بحمايتي ومعهم سائق برئاسة الجمهورية يقود سيارة مدرعة قديمة الطراز باهتة اللون من نوع طويوطا كنت أحس وأنا أركبها وكأنني في علبة سردين، فقد كانت سيارة عادية أضيفت لها صفائح معدنية، وزجاج سميك بدا مضحكا، مما دفعني إلى تركها واستعمال سيارة عادية في ما بعد، خصوصا بعد تعطل السيارة المدرعة أكثر من مرة واستهلاكها للوقود بشكل وحشي».
لم تعرف الجزائر السيارات المدرعة لكبار المسؤولين إلا في بداية التسعينيات، إثر إيقاف المسار الانتخابي، الذي أدى إلى الإصرار على استعمالها من قبل كل المسؤولين، بمن فيهم أعضاء بإقامات الدولة الآمنة، أو المؤمنة، والتي تحولت إلى نوع من «الغيتو»، جعل كثيرين يقولون ساخرين بأن الدولة سجنت الإسلاميين في المعتقلات، وسجنها أولئك في نادي الصنوبر.
ولم تكن هناك في الماضي سيارات حراسة للوزراء، وتتبع سيارة واحدة سيارة الرئيس العادية في التحركات اليومية وسيارتان في التحركات الرسمية، «يمكن أن نتخيل حجم خسائر الدولة المالية بعد ذلك، خصوصا بالنسبة للسيارات، التي يزعم البعض أن وسطاء تلقوا عمولات هامة لتوريدها. واستفاد كثيرون من انهيار الوضعية الأمنية فقاموا بإنشاء شركات للحراسة ومتاجر لبيع أجهزة الأمن، ولقد رأيت واحدا ممن يعملون في تلك الشركات وهو يدخل إلى أحد البنوك حاملا كيسا أسود من أكياس النفايات، أخرج منه رزما من أوراق النقد أتصور أنها كانت تتجاوز عشرات الملايين، ولعل هذا الكسب الكبير للكثيرين مما يفسر وضعية السفه التي عشناها ووضعية الثراء المستفز الذي أصبح يفقأ الأعين» كما يروي محيي الدين.
خصص للوزراء في تلك الحقبة خفر من رجال الأمن يتبعونهم في رحلاتهم، وخصصت لهم الحكومة سيارة من نوع دايو بينما يركب الشرطي الرابع مع الوزير في نفس السيارة بجوار السائق كإجراء احترازي، وهو ما يفرض على الوزير مرافقة الرباعي يوميا من منزله بالمنطقة المحمية في نادي الصنوبر.
«لم أكن أتردد أحيانا في الخروج لوحدي دون حماية أمنية خاصة يوم الجمعة لشراء الخبز أو الحليب، وكنا أنا ووزير الخارجية بلخادم الذي كان يقطن إلى جانبي نسلك نفس الطريق يوميا ونتحرك في نفس الوقت تقريبا، كما أن العودة من الشغل تتم بنفس سيناريو الذهاب وهو ما يتعارض وقواعد الأمن، بل إن رجال الأمن كانوا يصعدون معي في نفس المصعد ويصر أحدهم على التقدم فيلج المكتب قبل أن تطأه قدما الوزير، وبمجرد عودتي إلى البيت ينصرف رجال الأمن وتختفي كل مظاهر الحماية بشكل مثير للسخرية وكأن الدولة تحمي الوزير وليس الإنسان، فلم يكن هناك حارس دائم للمنزل الذي أقطنه أو الشارع الذي يسكن فيه عضوان من الحكومة الجزائرية، يمكن لأي شخص أن يتسلق السور ويدخل ببساطة للبيت ويصطاد ما يريد».
نظرا للحراسة اللصيقة التي يقوم بها رجال أمن عميمور والحرج الذي يشعر به أثناء تحركاته، فقد طلب منهم أن يبتعدوا عنه عدة أمتار لأنه لم يكن يأنس وضعية بعض الوزراء الذين كانوا يعتبرون التصاق حراس الأمن بهم نوعا من «البريستيج».
«ظل معظمهم وخاصة السائق حميد على علاقة متميزة معي في ما بعد، وكانوا يسارعون إلى تحيتي كلما لمحوني حتى ولو لم أكن رأيتهم، وبالطبع فالملاحظات المذكورة لا تعنيهم لأنهم كانوا مجرد منفذين لتعليمات تلقوها من قيادتهم، ولم يكن لهم حق التصرف خارج إطار ما كلفوا به حرفيا، وهنا أيضا أقول أننا نتحمل مسؤولية عدم إبلاغ قياداتهم بما لاحظناه من ثغرات في نظام الحماية، وظل حميد يزورني في الأعياد حاملا معه طبق المقروض المعتاد».
كان القرار الثاني الذي اتخذه الرئيس، هو ألا أستقبل أي ضيف أجنبي إلا في القاعة الكبرى للقصر، وهي نفس القاعة التي كان الرئيس الشاذلي يستعملها كقاعة للحفلات الرسمية، بعد أن أقنعه البعض بالتخلي عن قصر الشعب، المقر الرسمي لرئيس الدولة وإرجاعه للشعب، كما قيل، وضاع أثاث القصر الذي تحول إلى ستوديو تليفزيوني للرقصات الشعبية، «واصلت حملتي على ذلك التصرف، إلى أن قرر الرئيس اليمين زروال استعادة القصر وتخصيصه للرسميات» كما يقول عميمور.
«في نفس اليوم الذي ودعت فيه منصبي شكرت مجموعة الحراسة وطلبت منهم الالتحاق بمراكزهم الأصلية، ولم أحاول الاحتفاظ بأي منهم بعد انتهاء مهمتي، ولم تكن هذه وضعية بعض الوزراء السابقين».
لكن الصحافة سربت إشاعة تفويت الوزير للشقة الموضوعة رهن إشارته، «أتذكر يوما أن صحيفة «لو سوار» الناطقة بالفرنسية نشرت بأنني أعطيت لابني الشقة التابعة للوزارة، وهي شقة مجاورة لمكتب الوزير، مخصصة لراحته بين ساعات العمل، وكان ابني عندما يعود من الجامعة في باب الزوار ينتظرني فيها ويراجع دروسه خلال انشغالي بالعمل، في انتظار مرافقتي إلى المنزل، حتى لا أرسله بسيارة الوزارة توفيرا للوقود ولعدم إزعاج السائق، والصحيفة هي المسائية الوحيدة في العالم التي تباع صباحا، وهي التي نشرت في يونيو 2002 تصريح المصدر العسكري المأذون، الذي هاجم سياسة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، في نفس المرحلة التي عادت فيها الأعمال الإجرامية إلى الساحة الوطنية، ولم يكن للصحيفة مراسل مقيم أو عابر في مقر الوزارة»، وهو ما يعطي فكرة عن مصدر الخبر الذي يستهدف تشويه سيرة الوزير غير المرضي عنه من الجيش.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى