شوف تشوف

الرئيسيةتعليمتقاريرمجتمع

بنموسى يعطي انطلاقة جيل ثالث للأكاديميات قبيل إجراء تغييرات واسعة في المسؤوليات

«التعاقد» مع خبراء من خارج القطاع لتدبير بعض الأكاديميات ابتداء من يوليوز المقبل

انضمت أكاديميتا جهتي سوس ومراكش لقائمة الأكاديميات التي ستتخلى رسميا عن مهام بناء وتأهيل المؤسسات التعليمية والتكوينية لصالح الوكالة الوطنية للتجهيزات العامة. هذه الخطوة تأتي بالموازاة مع انتهاء الوزارة من صياغة مسودة تعديل قانون الأكاديميات، وهو التعديل الذي يعول عليه لإطلاق الجيل الثالث لهذه المؤسسات العمومية الهامة، لتتركز جهودها على جوهر اختصاصاتها التربوية والتعليمية والتكوينية والارتقاء بها على الصعيد الجهوي. هذه الخطوات تأتي بعد تقويمات متعددة خضعت لها تجربة الجيل الثاني لهذه المؤسسات، والذي جعل قطاع التعليم تحديدا «رائدا» في تفعيل الجهوية.

 

لامركزية ولاتمركز.. ولكن

تغييرات هامة تشهدها وزارة التربية الوطنية في السنوات الأخيرة، مع البدء في تعديل البنيان المؤسساتي للأكاديميات الجهوية، لتصبح هذه المؤسسات العمومية أكثر فعالية في قيادة ورش إصلاح القطاع، وذلك منذ دخول القانون الإطار حيز التنفيذ قبل ثلاث سنوات.

يتعلق الأمر بهندسة جديدة ستطلق ما يمكن تسميته بـ«الجيل الثالث» للأكاديميات الجهوية. ليكرس قطاع التعليم ريادته لباقي القطاعات العمومية في مواكبة المستجدات الدستورية على مستوى اللامركزية واللاتمركز.

فبالموازاة مع التعديلات الدستورية لسنتي 1992 و1996، والتي شهدت ظهور مفهوم «الجهة» كإطار جديد وبديل للتنمية، كان قطاع التعليم سباقا للتجاوب السريع مع هذا المنظور، حيث تم إطلاق الجيل الأول للأكاديميات الجهوية. كان هذا في منتصف تسعينات القرن الماضي، حيث اقتصرت فيه الأكاديميات على المهام المنوطة بـ«المصالح الخارجية»، وعلى رأسها تنظيم الامتحانات، فيما احتفظت الإدارة المركزية بصلاحيات واسعة تكاد تكون مطلقة.

وبدءا من سنة 2000 تم ظهور تصور لتدبير الشأن التعليمي ببلادنا مع ظهور المفهوم الجديد للسلطة، والذي كان مرجعا في ظهور تصور جديد أيضا للامركزية واللاتمركز، بتحويل الأكاديميات الجهوية لمهن التربية والتكوين إلى مؤسسات عمومية مستقلة، وذلك بموجب القانون 007. وهو القانون الذي ما يزال معمولا به حتى اليوم، رغم بعض التعديلات التي خضع لها طوال السنوات العشرين التي دخل فيها حيز التنفيذ.

هذا الجيل الثاني من الأكاديميات، ورغم الصلاحيات الواسعة التي منحت لهذه المؤسسات بدخول العمل بما يعرف بـ«المجالس الإدارية حيز التنفيذ»، فإن ملاحظات كثيرة تم تسجيلها في عملها، سواء في بنية ووظيفة المجالس الإدارية، والتي ظلت صورية، لكون مديري الأكاديميات هم المقررون الفعليون، وأيضا على مستوى قدرة مديري الأكاديميات على خلق التوازن المطلوب بين مهامهم التدبيرية (الإدارية والمالية) الصرفة، وبين مهامهم التربوية، بحيث تحولت الأكاديميات في العديد من المناسبات إلى مقاولات عمومية للبناء والتجهيز.

صحيح أن الإدارة المركزية فوَّضت العديد من صلاحياتها للأكاديميات، وخاصة على مستوى تدبير الموارد البشرية، بحيث أضحى تدخل مصالح العاصمة استثنائيا وتوجيهيا لا أكثر، غير أن اقتصار لاتمركز القرار التعليمي على مجالي مشاريع البناء والتجهيز وكذا الموارد البشرية دون أن يشمل مجالات تربوية حيوية كالمناهج والامتحانات والتكوينات، المستمرة منها والأساسية، أدى إلى «مسخ» الهوية التربوية للأكاديميات، وحال دون لعبها أدوارا أكثر فعالية في رفع المؤشرات التربوية محليا وجهويا، في ظل استمرار معضلات كبرى ذات طبيعة تربوية، بدليل النتائج الكارثية التي ما فتئ يحصل عليها التلاميذ المغاربة في مختلف التقويمات الوطنية والدولية، وخاصة على مستوى التعلمات الأساس.

 

مديرو الأكاديميات.. موظفون «متعاقدون» أيضا

بالرغم من تأخر ظهور التعديل المرتقب في القانون المنظم للأكاديميات الجهوية، فإن العديد من القرارات تم اتخاذها في السنوات الأخيرة عززت مكانة هذه المؤسسات، سواء تدبيريا أو تربويا. وعلى رأسها الانتقال من التنزيل الممركز لمشاريع الإصلاح، على منوال ما شاهدناه إبان ما يعرف بالمخطط الاستعجالي، إلى التنزيل الجهوي لمشاريع إصلاح القطاع، وذلك منذ دخول القانون الإطار حيز التنفيذ، وبهذا تم تقليص دور الإدارة المركزية بشكل لافت، إلى حد أضحى فيه تدخل المسؤولين المركزيين مرتبطا بعقود ودفاتر تحملات تبرمها معهم الأكاديميات الجهوية.

كما تم أيضا اعتماد نظام التوظيف الجهوي، الذي ماتزال الوزارة حتى الآن، ورغم الاحتقان الاجتماعي الذي خلفه هذا النوع من التوظيف، تدافع عنه باعتباره «خيارا استراتيجيا». وهو ما يعني أن ملامح جيل ثالث للأكاديميات قد بدأ فعليا، بحيث سيصبح التدبير بالنتائج هو الأسلوب الجديد في تعيين المسؤولين الجهويين وكذا تقويم أدائهم ومردوديتهم.

ملامح الجيل الجديد للأكاديميات بدأت في الظهور، بحسب متتبعين للشأن التعليمي ببلادنا، لذلك من المرتقب أن تظهر قرارات أخرى من شأنها إحداث تغيير جذري في وظيفة هذه المؤسسات، ومنها تقليص عدد أعضاء المجالس الإدارية بشكل كبير، لكون التركيبة الحالية صورية، بل ومعرقلة للقرار التعليمي على المستوى الجهوي والمحلي. كما ستشمل هذه القرارات أيضا ظهور جيل جديد من المسؤولين الجهويين. حيث تفيد مصادر موثوقة للجريدة بأن تغييرات واسعة ستشهدها الإدارات الجهوية مباشرة بعد الانتهاء من امتحانات الباكلوريا، أي في شهر يوليوز القادم، بحيث سيتم فتح الباب أمام خبرات مستقلة ومن خارج القطاع لتدبير بعض الأكاديميات في مرحلة أولى.

هذه التغييرات، حسب المصادر ذاتها، ستشمل أكاديميات جهوية بلغ مديروها سن التقاعد، حيث رفض بنموسى كل طلبات التمديد التي تقدم بها بعض مديري الأكاديميات. كما ستشمل أكاديميات سجلت ضعفا ملحوظا في مؤشراتها التربوية، من قبيل استمرار نسب التكرار والانقطاع والهدر، وضعف نسب تنزيل المشاريع الملتزم بها أمام الملك، وتتعلق بـ«تعميم عدة التعليم الأولي»، و«التربية المندمجة»، و«منظومة التوجيه»، و«آليات الارتقاء بالمطاعم المدرسية والداخليات»، و«تدبير الانقطاع عن الدراسة»، و«الحكامة المالية»، و«تكوين أساتذة المواد غير اللغوية في اللغات الأجنبية»، و«مراجعة مقرر اللغة الفرنسية للسنة أولى وثانية باكلوريا» بالإضافة إلى «تعميم منظومة GID AREF».

هذه التعديلات ليست وليدة اللحظة، بل هي نتيجة ملاحظات كثيرة تم تسجيلها سواء من طرف بعض المؤسسات الدستورية، وخاصة المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وكذا المجلس الأعلى للتربية والتكوين.

ففي رأي قدمه هذا الأخير، تمت دعوة الوزارة الوصية إلى تعزيز استقلالية الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، وذلك بتجسيد مبدأ الاستقلالية المخول للأكاديميات عبر صلاحيات واختصاصات تمكنها من اتخاذ القرار وتنفيذه، في احترام تام لمبدأ الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة.

في هذا الصدد، أوصى المجلس الأعلى باعتماد برامج ومضامين تربوية وتعليمية وثقافية تستوعب خصوصية الجهة في إطار المرونة المتاحة في المنهاج الوطني، فضلا عن إحداث مسارات تعليمية متخصصة. كما أوصى المجلس بأن يقتصر دور السلطة الحكومية والإدارة المركزية على التنظيم عبر تحديد الضوابط والمعايير والمساطر التي يجب أن تستند إليها الأكاديميات في تفعيل هذه الاختصاصات، مع مراعاة القواعد والمبادئ المتضمنة في القوانين المنظمة للقطاع وأهداف الإصلاح.

من جهة أخرى، دعا المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي إلى مراجعة تركيبة المجلس الإداري للأكاديمية، على نحو لا يتعدى 12 عضوا كحد أقصى، وذلك اعتبارا للدور الاستراتيجي للمجلس الإداري في قيادة الأكاديمية واتخاذ القرارات المتعلقة بتدبير التعليم المدرسي على الصعيد الجهوي وتطويره. واقترح أن يتشكل المجلس الإداري للأكاديمية من أعضاء تتدخل مؤسساتهم بصفة مباشرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى