شوف تشوف

الرئيسيةرياضة

بلمحجوب كان يدعوني لحضور مباريات الكرة والأطرش كان يطلب مرافقته في مباريات البوكر

مانسيناكش ليلى الجزائرية (أرملة اللاعب الدولي عبد الرحمان بلمحجوب)

حسن البصري:

 

هنا تعرفت على فريد الأطرش، أليس كذلك؟

 

خلال فترة وجودي في بيروت وكنت أرقص في كازينو مشهور كما أسلفت الذكر، ظل فريد الأطرش يتردد على مكان عملي ويجلس في طاولة متقدمة دون أن يقول لي شيئا، وكانت سامية جمال، الراقصة المصرية، تقدم عروضها وأنا أيضا، لكن الحضور كان يرى في سامية بطلة السهرات، إذا جاز التعبير، لأنها مشهورة ومصرية وكان الفن المصري يسيطر على العالم العربي، أما أنا فمجرد فتاة جزائرية صغيرة ربما لم يكن أحد يعرف الجزائر، غير أن ما كان يميز أدائي أن الرقص الذي أقوم به رقص فرنسي تعلمته على يد أوزبكستاني كان مديرا للأوبرا في باريس، أي أنه رقص أوربي يعتمد على الرقص على أصابع القدمين. بصعوبة سيوافق متعهد الحفلات على منحي إجازة قصيرة في باريس على أن أعود إلى بيروت.

متى بدأت الشرارة الأولى للحب، في الدار البيضاء أم باريس؟

أولا علاقتي بالرياضيين كانت منعدمة، لم أكن أهتم بكرة القدم ولا أعرف نجوم الملاعب سواء في الجزائر أو المغرب أو فرنسا، ومحيطي لا يضم إلا أهل الفن. بالنسبة للمغاربة تعرفت على مطرب كان يشتغل معي في الملهي نفسه بباريس، وهو محمد فويتح، الذي وضع كلمات وألحان عدة أغان خالدة عندما كان مهاجرا بفرنسا، وغنى قطعا بروح وطنية عالية لأنها ترمز إلى نفي الملك محمد الخامس وأسرته الشريفة من طرف الاستعمار الفرنسي إلى كورسيكا، ثم مدغشقر مضحيا بعرشه في سبيل استقلال الوطن. فويتح اشتغل، خلال إقامته بفرنسا، مع فرق موسيقية عربية بالمقاهي والنوادي الليلية، حيث كان يؤدي الأغاني الشرقية لفطاحلة الفنانين المصريين، في طليعتهم محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، كما كان يؤدي الأغاني الشعبية للفنان الحسين السلاوي، واستغل فرصة وجوده هناك وسجل عددا من القطع الموسيقية لإذاعة فرنسا ومونتي كارلو. بالنسبة للشرارة الأولى للحب أظن أنها بدأت من الدار البيضاء وحين قطعت فترة عملي وقررت العودة إلى باريس للقاء عبد الرحمان، بدأت القصة تأخذ مسارا جادا.

هل جمعتكما لقاءات خارج الملهى؟

فعلا كان يتردد على شقتي قبالة أوبرا باريس، وكان يحرص على ألا يزورني لوحده، وغالبا ما يكون معه المطرب المغربي محمد فويتح واسمه الحقيقي محمد التادلاوي، أما فويتح فهو الاسم الفني المستمد من اسم أبيه الحاج فاتح. ذات مرة طرق بابي شخص تبين أنه فريد الأطرش، قلت له تفضل وحين دخل وجد عبد الرحمان وفويتح، كان يعرف الفنان المغربي لكنه لم يكن يعرف اللاعب بلمحجوب، فقلت له إنه لاعب دولي مغربي ويحمل قميص منتخب فرنسا. تبادل الجميع التحية والسلام وانخرطنا في حديث ونحن نحتسي القهوة، لكن سرعان ما دعاني فريد إلى أمر يريد أن يتحدث معي فيه على انفراد، اختلى بي في غرفة أخرى ووجه لي سؤالا مباشرا: «ما علاقتك باللاعب المغربي؟» ثم أضاف أنه لاحظ نظرات الإعجاب الصادرة عن عبد الرحمان، خاصة وأنه يعرف معاني نظرات الناس لي، لقد اشتغلت مع فريد خمس سنوات وهي تكفي ليفهم كل منا الآخر.

غيرة؟

ليست من طرف عبد الرحمان بل من طرف فريد الأطرش، وتبين أن تلك الجلسة تولد عنها نزاع خفي بين مطرب مشهور ولاعب كرة مشهور، شعر كل شخص بأنني أميل للآخر، وكل واحد كان يؤول حركاتي وسكناتي. قال لي فريد: «أريد أن أعرف حقيقة هذا الرجل المغربي، هل تحبينه فعلا؟». حينها تبين لي أن فريد يشعر بالقلق تجاه عبد الرحمان وأن هروبي من بيروت يرجع لهذا اللاعب الذي توغل إلى حياتي.

لكن محمد عبد الوهاب كان يود الاقتراب منك قبل فريد الأطرش؟

في الملاهي الباريسية التي اشتغلت فيها، كان يحصل تلاقح بين الشرق والغرب، وكان حضور مشاهير الفن في المشرق يشكل حدثا. ذات ليلة حضر محمد عبد الوهاب بملهى «الجزاير»، فلاحظت أن الزبناء والموسيقيين تسابقوا للسلام عليه وكان أولهم الراحل فويتح، وكنت من بينهم بطبيعة الحال. وفي اليوم الموالي حضر الموسيقار المصري لوحده غير مرفوق بزوجته كما كان الأمر في الليلة الأولى، واستمر على ذلك الوضع لمدة أسبوع تقريبا. وفي أحد الأيام قدم عبد الوهاب إلى المحل قبيل افتتاحه حوالي السابعة مساء، وتقدم إلي وهو يخاطبني بلطف: «يا ست ليلى ممكن تعزميني أو توريني باريس شوية». أجبته:«وماذا عن شغلي؟»، فقال لي: «لا عليك سأتصرف وأخبر صاحب المحل بذلك»، وفعلا أخذته في جولات طويلة في مختلف الأحياء الباريسية وعرّفته على العديد من الأمكنة والأشخاص وأمضى على تلك الحال حوالي عشرة أيام، خلال وجوده في باريس أصيب بوعكة صحية فقمت بإشعار طبيب مغربي هو الدكتور عبد الكريم الخطيب الذي أشرف على علاجه.

انهالت عليك العروض من محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش وعبد الرحمان بلمحجوب..

طلب مني فريد استكمال عملي في بيروت بعد أن عدت إلى باريس، ودعاني إلى الالتزام بتعهداتي المهنية، أما محمد عبد الوهاب فقدم عرضا للاشتغال في مصر يمتد لثماني سنوات، ولاحظت تمسكه بي حين طلب من زوجته العودة إلى مصر وقرر تمديد مقامه في بيروت، على اعتبار أنه سيعود إلى بلاده عبر الباخرة مادام يخشى ركوب الطائرة. بل إن فريد دعاني لمرافقته إلى أحد نوادي البوكر في باريس الذي كان يدمن عليه، وكان هدفه من وجودي معه هو انتزاعي من محيط اللاعب الذي لا يسهر ولا يلعب بوكر ولا يشرب الخمر ولا السجائر. تصور أن بلمحجوب كان يعرض علي متابعة مباريات كرة القدم بينما كان فريد يعرض علي مرافقته في جلسات البوكر.

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى