بدأ تلاميذ المناطق الأكثر تضرراً من زلزال المغرب بالعودة إلى مدارسهم، بعد نحو أسبوع على قرار وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة تعليق الدراسة من جراء تضرر 530 مؤسسة تعليمية و55 داخلية، بدرجات متفاوتة، تراوحت ما بين انهيار أو أضرار بالغة. وتتركز هذه المؤسسات في أقاليم الحوز وشيشاوة وتارودانت.
النعمان اليعلاوي
التحقت الدفعة الأولى من تلاميذ البلدات الأكثر تضرراً من زلزال الثامن من شتنبر بالعملية التعليمية، بعد قرار اللجنة الإقليمية لليقظة تحويلهم إلى داخليات في عدد من المؤسسات التعليمية بمراكش، في سياق ما اعتبر مقاربة جديدة تدخل في إطار البدائل الممكنة لضمان دخول دراسي جيد واستمرارية التعليم.
ويتعلق الأمر بحوالي 6 آلاف تلميذ وتلميذة في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية، والذين جرى تنقيلهم برفقة أساتذتهم وأطر مؤسساتهم إلى المؤسسات التعليمية العمومية بمدينة مراكش، مع ضمان الإيواء والتغذية إلى جانب أنشطة الدعم النفسي لفائدتهم.
وتم نقل 1500 تلميذ من المناطق الأكثر تضرراً من الزلزال بإقليم الحوز عبر حافلات إلى ثانوية محمد الخامس باب أغمات والثانوية التأهيلية بن يوسف ومعهد القاضي عياض للتعليم العتيق بمدينة مراكش.
جهود استثنائية لموسم مختلف
نجحت المجهودات المكثفة التي بذلت من طرف عدد من المصالح على رأسها أكاديمية التربية الوطنية بمراكش والقوات المسلحة الملكية إلى جانب فرق المكتب الشريف للفوسفاط والعديد من المتدخلين في إرجاع تلاميذ الدواوير المتضررة من زلزال الحوز إلى أقسامهم، حيث استأنف التلاميذ دراستهم يوم الاثنين، في ظروف جيدة، بجماعة أمزميز (إقليم الحوز)، على غرار باقي المناطق المتضررة بفعل الزلزال الذي عرفته عدة أقاليم بالمملكة.
فبعزيمة قوية على بدء الموسم الدراسي بتفاؤل وتصميم للتغلب على آثار هذه الكارثة الطبيعية، توجه التلاميذ منذ الساعات الأولى إلى الخيام التي نصبتها القوات المسلحة الملكية بالقرب من الثانوية الإعدادية الفارابي بأمزميز، في انتظار إحداث وحدات المدارس المتنقلة، وقد تم بإقليم الحوز نصب 150 خيمة مجهزة بجميع المعدات التعليمية والتكوينية اللازمة بالإضافة إلى ألواح شمسية، فيما أكد مدير الثانوية الإعدادية الفارابي بأمزميز، حسن كونين، أن الطاقم التربوي والإداري معبأ لاستقبال التلاميذ في أفضل الظروف وتأمين استئناف الدراسة على نحو جيد.
وأشار المسؤول التربوي إلى أنه «هناك عدة عوائق مرتبطة بالزلزال، ولكننا عازمون بقوة، بالتنسيق مع جميع الجهات المعنية، على التغلب على كافة التحديات، والعودة إلى مسار الحياة الطبيعية واستعادة ثقة التلاميذ وأولياء أمورهم»، مضيفا أن «كل الشركاء مجندون من أجل تمكين التلاميذ من متابعة دراستهم في ظروف ملائمة، وتجاوز الأزمة التي خلفها الزلزال، وأيضا تخطي الآثار النفسية
بالموسم الدراسي الذي بدأ لدى هؤلاء التلاميذ لتوه بعدما انقلب كل شيء، بترديد النشيد الوطني وقراءة سورة الفاتحة ترحما على أرواح ضحايا الزلزال، فيما عبر العديد من التلاميذ، عن سعادتهم بالعودة إلى الدراسة، والإلتقاء بأصدقائهم وأساتذتهم القدامى والجدد، في الوقت الذي بدت علامة التأثر على ملامح عدد منهم وأجهش آخرون بالبكاء وهو يتلون صورة الفاتحة ترحما على زملاء لهم شاركوهم حجرات الدرس، وقسطا غير يسير من حياتهم.
حياة في الخيام..
على امتداد البصر، في الطريق المؤدية بين جماعة تاحناوت وأسني، تنتشر خيام في القرى والدواوير، تتعدد ألوانها بين الصفراء التي تمنحها مصالح الوقاية المدنية والخضراء التي تقدمها مؤسسة محمد الخامس للتضامن وأخرى أعدتها مؤسسة المكتب الشريف للفوسفاط، وكلها خيام تم نصبها من أجل إيواء المتضررين الذين تدمرت منازلهم أو تشققت بالكامل، فما عادت صالحة لإيوائهم، ففي منطقة أسنت تم نصب مخيمين للإيواء ضم عشرات العائلات، وملاعب قريبة للأطفال، فكانت مبادرة الجمعيات المحلية وجمعيات المجتمع المدني بجعلها متنفسا للترويح عن الأطفال.
الخيام باتت مظهرا لصيقا بسكان دواوير منطقة الحوز وجزءا من دواوير تارودانت، ففيها معيشتهم بل إنها باتت مدارس لأبنائهم، وعلى أطراف مدينة أسني شرعت السلطات المحلية في نصب الخيام بساحة ملاعب القرب، وهي المبادرة التي كانت بدعم من الجماعة والسلطات المحلية، وتحت إشرافها، ففي ساعات الصباح الباكرة، شرعت الحافلات في وضع الطاولات، وانبرت عناصر القوات المسلحة في تهيئة المكان الذي تحول إلى مدرسة متنقلة «كل المدارس الموجودة في منطقة أسني اليوم إما مخربة أو تشققت جدرانها» يقول سعيد، وهو أستاذ للتعليم الابتدائي بالمنطقة، مضيفا أن «عددا من تلامذة الدواوير قضوا نحبهم وتم نقل الباقين منهم إلى هذه الخيام أو إلى مدينة مراكش».
نقل 630 تلميذا بجماعات تارودانت
على الجانب الآخر من جبال الأطلس، تمت يوم الثلاثاء عملية نقل 630 تلميذا من مؤسسات تعليمية ببعض جماعات إقليم تارودانت المتضررة من الزلزال، إلى داخلية الثانوية التأهيلية محمد السادس بتالوين، حتى يتمكنوا من مواصلة تحصيلهم الدراسي، وقد وصلت صبيحة الثلاثاء، حافلات تنقل تلاميذ وتلميذات جماعتي أساكي وتزكزاوين، إلى الثانوية التأهيلية محمد السادس بجماعة تالوين حيث سيشرف على تأطيرهم أساتذة وأطر تربوية وإدارية، إلى جانب متخصصين في المساعدة الاجتماعية والمواكبة النفسية.
وأوضح المدير الإقليمي للتربية والتكوين بتارودانت، سيدي صيلي، أن مجموعة من المؤسسات التعليمية بإقليم تارودانت تضررت بفعل الزلزال، مما استوجب اتخاذ مجموعة من الإجراءات للتعاطي مع هذا الوضع ومنها نقل التلاميذ حفاظا على السير العادي لتحصيلهم الدراسي، مضيفا أن نقل التلميذات والتلاميذ إلى ثانوية محمد السادس بتالوين قصد متابعة الدراسة، تم بعد تأهيل فضائها للاستقبال الداخلي للذكور والإناث، وأيضا تأهيل مجموعة من المرافق لاستقبالهم في أفضل الظروف.
إلى ذلك، فقد عاد التلاميذ بمجموعة من الجماعات المتضررة من الزلزال بإقليم تارودانت، أول أمس، إلى مقاعد الدراسة بعد فترة توقف بسبب الأضرار التي لحقت بالسكان وعدد من المؤسسات التعليمية جراء زلزال الحوز.
مختصرات الزلزال
إشادة إماراتية بالحرفية المغربية
أشاد سفير دولة الإمارات العربية المتحدة بالرباط، العصري سعيد الظاهري، بـ«العمل الاحترافي» و«الجهود الجبارة» التي بذلتها السلطات المغربية لإغاثة ضحايا زلزال الحوز، وذلك تماشيا مع التوجيهات الملكية.
وأكد السفير الإماراتي أن «العمل الذي قامت به المملكة المغربية كان جبارا واحترافيا، وما كان ليتحقق لولا توجيهات الملك محمد السادس»، لافتا إلى أن «المناطق التي ضربها الزلزال جبلية وذات تضاريس وعرة، ولكن رغم ذلك، تمت السيطرة على الوضع بسرعة».
وفي سياق ذي صلة، أعرب الظاهري عن تأثره العميق ببرقية الشكر والامتنان التي بعث بها الملك إلى قائد مجموعة البحث والإنقاذ لدولة الإمارات العربية المتحدة، بمناسبة المشاركة في عمليات البحث والإنقاذ.
وأبرز السفير أن جميع أفراد المجموعة الإماراتية للبحث والإنقاذ أعربوا عن ارتياحهم للعمل الذي قاموا به، إلى جانب أشقائهم المغاربة، مشيدا، في هذا الصدد، بالدور الذي اضطلعت به السلطات المغربية لتيسير مهام المجموعة خلال مشاركتها في جهود الإغاثة.
إحصاء دقيق للمتضررين
أشاد سكان جماعة أسني (إقليم الحوز) بإطلاق السلطات المحلية عملية إحصاء قاطني البنايات المتضررة من الزلزال الذي ضرب عددا من أقاليم المملكة.
وتهدف هذه العملية، التي تجري في إطار التدابير التي اتخذتها السلطات لتقييم الأضرار الناجمة عن الزلزال، إلى تقديم المساعدة اللازمة للسكان المتضررين الذين يواجهون تداعيات هذه الكارثة الطبيعية.
وتعد هذه العملية من بين المراحل الأولى الهادفة إلى الاستجابة لاحتياجات السكان المتضررين ومعالجة الأضرار الناجمة عن الزلزال. وأشاد عبد الله، أحد المستفيدين بدوار أسلدة، بالجهود التي تبذلها السلطات من أجل إنجاح هذه العملية.
من جهته، أكد آيت إفكان، وهو من سكان الدوار، أن العديد من المباني تضررت جزئيا أو كليا جراء الزلزال الذي ضرب المنطقة، معربا عن امتنانه وتقديره لهذه المبادرة، كما أشاد عمر، أحد المستفيدين من هذه العملية كذلك، بتعبئة جميع الإمكانيات البشرية والمادية من أجل مساعدة الساكنة، معربا عن امتنانه لصاحب الجلالة الملك محمد السادس على العطف الذي أبداه لساكنة المناطق المتضررة .
1077 إصابة خطيرة
بلغ عدد المصابين الذين تكفلت بعلاجهم وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، على إثر زلزال الحوز، إلى حدود يوم الاثنين 18 شتنبر 2023، 13.919 حالة، منها 1077 إصابة خطيرة و4551 إصابة طفيفة، حيث مازالت 435 منها بالمستشفيات.
وذكرت الوزارة، في حصيلة جديدة، أنه سجل، إلى حدود التاريخ المذكور، 435 جريحا أدخلوا إلى المستشفيات، بينهم 61 حالة في العناية المركزة، فيما تعافى 12.674 شخصا.
وأضافت الوزارة أنها حشدت كافة الوسائل لتقديم المساعدة الطبية اللازمة لضحايا الزلزال، منها الموارد البشرية الطبية والفنية والإدارية والأدوية والمعدات الطبية وسيارات الإسعاف والوحدات الطبية المتنقلة.
لأحمد كريمي*:
«اشتغلنا على بدائل لضمان تمدرس أزيد من 6 آلاف تلميذ متضرر»
- ما هي الإجراءات التي قمتم بها في أكاديمية التعليم بجهة مراكش، لضمان تمدرس التلاميذ المتضررين من الزلزال؟
أولا تجب الإشارة إلى أن وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، من خلال الأكاديمية الجهوية، قامت بمواكبة التلاميذ المتضررين من الزلزال منذ الوهلة الأولى، حيث سارعنا إلى البحث عن حلول للتلاميذ، وكان أول إجراء قمنا به، هو جرد لوضعية المؤسسات المتضررة في الأقاليم الثلاثة، مراكش والحوز وشيشاوة، والقاعات المتضررة، مع دراسة حالة هذه المؤسسات، وإغلاق المؤسسات التي تشكل خطورة على التلاميذ وهيئة التدريس. وإجراء ثان وهو البحث عن البدائل الآنية والسريعة، حيث إن هناك ثلاثة بدائل مرحلية ومؤقتة، أولها الأقسام عبارة عن خيام، تكون فيها كل خيمة بمثابة حجرة دراسية، أما البديل الثاني فهو الوحدات المتنقلة، وهي الوحدات التي يتم تركيبها وتفكيكها، ونقلها إلى الوجهة المطلوبة. فيما يبقى البديل الثالث هو تحويل التلاميذ، وهو التحويل الذي يكون إما داخل المؤسسة التعليمية، في حال ما كانت هناك حجرات قليلة هي المتضررة داخل المؤسسة، أو التحويل من مؤسسة إلى مؤسسة أخرى داخل الإقليم، أو التحويل من إقليم إلى إقليم آخر، وذلك إذا تعذر توفر مؤسسات أو أحد هذه الإجراءات السابقة في الإقليم المعين، وهذه العملية قد تم القيام بها حسب كل حالة وحسب نسبة الضرر المسجلة.
- كم عدد التلاميذ الذين استفادوا من عملية النقل من الحوز إلى مراكش؟
نحن في المجموع نستهدف 6 آلاف تلميذة وتلميذ، ليس فقط في عملية التحويل من منطقة الحوز نحو مراكش، ولكن أيضا كل عملية التحويل التي ذكرت سالفا، وهذه الخطوات التي تهم 6 آلاف تلميذ ليس كلهم سيتم تحويلهم من إقليم إلى آخر، وإنما مجموع الخيارات الثلاثة، كتحويل التلاميذ من الحجرات الدراسية المتضررة إلى أخرى سليمة في المؤسسة نفسها، أو أيضا تحويلهم إلى الأقسام المؤقتة عبر خيام. هذه العملية تهم تحويل المؤسسات بتلاميذها وأطرها الإدارية والبيداغوجية ونموذج تدبيرها إلى أماكن أخرى، حيث إن المؤسسات التعليمية التي يتم تحويل تلاميذ المناطق الأكثر تضررا في إقليم الحوز إليها، ستكون قادرة على توفير الشروط اللازمة لاستئناف الدراسة في أسرع وقت ومواصلة بناء مسار التحصيل العلمي والتربوي لهؤلاء التلاميذ. وكما أشرت فإن هذه المبادرة تشمل في المجموع على الصعيد الإقليمي حوالي 6000 تلميذ مسجلين في 6 مؤسسات تعليمية تقع في الجماعات الأكثر تضررا من الزلزال، وهي ثلاث نيعقوب، إيغيل، ويرغان، أنوغال، وأزغور، حيث سيؤطر هؤلاء التلاميذ أساتذة وأطر تربوية وإدارية، إلى جانب متخصصين في المساعدة الاجتماعية والمواكبة النفسية.
أما بخصوص إقامة وتغذية هؤلاء التلاميذ فستكونان على مستوى داخليات محتضنة في مؤسسات الاستقبال لكل التلاميذ الذين تم تنقيلهم، والغرض والهدف من كل هذا ضمان تمدرس التلاميذ في أحسن الظروف.
- من هم الشركاء الذين اشتغلتم معهم في إطار هذه العملية؟
بطبيعة الحال، هناك دعم كبير من باقي الشركاء ممثلين في السلطات المحلية التي عملت على توفير اللوجيستيك والنقل، بالإضافة إلى التأطير والتنظيم لتسجيل التلميذات والتلاميذ والحديث مع الآباء، زيادة على نقل التلميذات والتلاميذ ومواكبة الرحلات وتأمينها، ناهيك عن تأمين مراكز الاستقبال على مستوى مراكش وأيضا المواكبة الأمنية، وحتى على مستوى الصحة من خلال عناصر الوقاية المدنية، بالإضافة إلى شركاء قطاعيين، من القطاعات الحكومية التي وضعت رهن إشارتنا مؤسسات، دون إغفال القطاع الخاص الممثل في الجامعات الخاصة التي وضعت رهن إشارتنا أجنحة تشكل القسم الداخلي والخارجي، وأيضا مؤسسات المجتمع المدني وجمعيات الآباء، وهؤلاء كلهم كانوا قد قدموا عملا مهما في سبيل إنجاح هذه العملية.
وقبل كل هذا لا ننسى أطر ونساء ورجال التعليم الذين قدموا عملا كبيرا وقاموا بمجهودات مضاعفة من أجل إنجاح العملية، وخلال هذا الأسبوع سيتم تعويض الأقسام المتضررة، ونحن نشتغل على قدم وساق من أجل ضمان موسم دراسي ميسر لهؤلاء التلاميذ، بالإضافة إلى ضمان ظروف عمل لائقة للأطر التعليمية والتربوية.
* مدير الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة مراكش آسفي