شوف تشوف

الرأي

بطولة بلا خرائط

حسن البصري
ما أن قررت السلطات المغربية منع التنقل من وإلى ثماني مدن، بسبب ارتفاع الإصابات بفيروس كورونا وعدم احترام التدابير الوقائية، حتى أعلنت حالة استنفار في صفوف الفرق المغربية، بعضها كان خارج مدينته يخوض أولى مباريات بطولة القسم الثاني، والبعض كان يقتات في باحة استراحة قبل استئناف السفر نحو وجهته.
فجأة تذكر أهل الكرة كماماتهم وبحثوا عن قوارير معقماتهم وشرعوا في إعادة ترتيب مساحة الأمان، ثم التمسوا من سائق الحافلة مغادرة المكان قبل أن تغلق المدن أبوابها. في الطريق السيار زحمة غير مسبوقة وسباق ضد الزمن، لكسر حاجز منتصف الليل.
عندما أغلقت الحكومة ثماني مدن، فإنها قد أربكت من حيث لا تدري برمجة البطولة، وجعلت الفرق والحكام ومندوبي المباريات في حيرة من أمرهم، تحركت الهواتف النقالة حاملة السؤال نفسه: هل يعفى «لكوايرية» من قرار المنع؟ أيكفيهم الإدلاء برخصة من الجامعة لدخول مدن موصدة؟
مرة أخرى نجد في قوانين الكرة فرصة لفهم ما يجري حولنا، فهي اللعبة الأكثر ديمقراطية في العالم، لأن حكامها لا يصدرون القرارات الزجرية إلا بعد إنذار شفوي يحيط الفاعل بخطورة السلوك المرتكب، وفي حالة التكرار تشهر في وجهه بطاقة صفراء، قبل اللجوء إلى البطاقة الحمراء التي تعني الطرد من رقعة التباري. صحيح هناك حالات يلجأ فيها الحكم إلى الطرد من أول وهلة، ولكنها قليلة وتتعلق برفس وركل خارج ضوابط الكرة.
تمنحنا قوانين اللعبة الأكثر شعبية في العالم، حق تغيير الوجوه، بل إن ظرفية كورونا دعت المشرع الكروي إلى رفع عدد التغييرات إلى خمسة بدل ثلاثة، أي استبدال نصف الفريق تقريبا، مانحا بكل ديمقراطية فرصة إشراك الجميع في معركة تهم نتيجتها الكل.
ولعل منتهى الشفافية في هذه اللعبة أن تعطي الحكم فرصة مراجعة قراراته باللجوء إلى تقنية «الفار»، التي تجسد مقولة «ليطمئن قلبي»، وتجعل مجتمع الكرة يؤمن بأن الحكم بشر مثلنا قد يخطئ وقد يصيب، وأن التكنولوجيا وجدت لتبين الخطأ من الصواب بكل روح رياضية.
فلنلجأ في هذه الظرفية الحرجة إلى قوانين الكرة، لعلنا نستمد منها آليات ضبط مباراتنا جميعا ضد خصم اسمه فيروس كورونا، ولنتسلح بضوابط هذه اللعبة ونعيد نشر الحكام والمراقبين في شوارعنا، ونمنحهم كامل الصلاحيات لزجر مخالفي قوانين المواجهة، بالبطاقة الصفراء والحمراء والمنع من الركض في الملاعب في حالة العود والتكرار، وتفعيل العقوبات السالبة للسيولة المالية، في زمن أصبحت فيه الكمامات واقية للعنق، والمعقمات مجرد فزاعة في مداخل المقاهي والإدارات، والتباعد الاجتماعي لا وجود له إلا في الملصقات التحسيسية.
يذكر جيلنا أنشودة «أم الحمام» التي كنا نرددها ونحن أطفال في الفصول الابتدائية، كنا نصيح بأعلى أصواتنا في كورال جماعي بكل ما أوتينا من جهد:
أم الحمام مرة/ قالت لهم لا تخرجوا
قالت لهم في عشها/ قالت لهم لا تخرجوا
فضحكوا من قولها/ ولم يبالوا بالخطر
وخرجوا من عشهم/ ولم يبالوا بالخطر
لكن أتاهم ثعلب/ فأكل الحمائم
رأى المكان خاليا/ فأكل الحمائم
هذا جزاء كل من/ يعصون أمر أمهم
قد هلكوا لأنهم/ يعصون أمر أمهم.
بكل رمزية هذه الأنشودة التي لطالما رددناها بزهو دون أن نعرف معناها، فإن «أم الحمام» هنا مرادف لبلاغات وزارتي الداخلية والصحة والثعلب هو فيروس كورونا. أخشى أن نعيش زمن العقوق من بلاغات تهم سلامتنا، ونصبح على زحمتنا نادمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى