انفصالي في مهمة رسمية
يونس جنوحي
دائما ما يحاول المحسوبون على جبهة البوليساريو الانفصالية إحراج من يتواصلون معهم من الجهات الرسمية للدول التي لا تعترف بهذا التنظيم.
اللقاء الأخير الذي تم بين كاتب الدولة الإسباني للحقوق الاجتماعية المُنتمي لحزب «بوديموس»، ووفد من البوليساريو، تسبب في حالة استنفار داخل وزارة الخارجية الإسبانية التي سارعت إلى الاعتذار لوزير الخارجية المغربي هاتفيا ونفت أن تكون للقاء أي صبغة رسمية أو أن يكون مُندرجا داخل أي إطار حكومي أو رسمي، وأنه يخص عضو الحزب بشكل شخصي.
لقاء من هذا النوع لا شك أنه يؤثر على المستقبل السياسي لصاحبه، خصوصا إذا استقبل «المجموعة» الانفصالية في مقر شغله الحكومي أو الحزبي. ومثل هذا العمل المتهور، لا شك أنه يضرب في صميم التزامه بالمواقف الرسمية لبلاده. لكن ليست هذه هي المرة الأولى التي يقوم فيها أعضاء البوليساريو بإحراج شخصيات رسمية وأعضاء في الحكومات والأحزاب وحتى المنظمات الدولية.
فقد سبق، خلال السنة الماضية، أن طلب أعضاء من وفد البوليساريو لقاء مع عدد من وزراء الخارجية لدول كبرى، ولم يتم الرد على طلبات تحديد المواعد، وفهموا ألا أحد يرغب في لقائهم ما داموا يمثلون دولة غير موجودة.
تلك اللقاءات التي يسعون إليها أصلا، يكون الهدف منها تسول الإعانات الدولية والمعونات، المعلنة والسرية، لتمويل تحركات الانفصاليين. وطبعا، لا حاجة لكي نؤكد أنهم يحصلون عليها باسم سكان المخيمات بدعوى توفير الطعام للأسر العالقة في الخيام، فيما يتم استغلال تلك الأموال في شراء اليخوت والشقق الفاخرة في عدد من الدول، خصوصا في أمريكا اللاتينية والدول الأوربية المطلة عل حوض البحر المتوسط.
خلال انفجار موجة الربيع العربي، نمت احتجاجات سرعان ما تم إقبارها داخل المخيمات، قادها شبان سئموا من متاجرة البوليساريو بمأساتهم الاجتماعية، خصوصا وأن بعض الفارين من البوليساريو إلى الخارج حاولوا تفجير التجاوزات التي يقوم بها قادة النظام الوهمي والثروات التي راكموها على حساب تردي الأوضاع الصحية والاجتماعية للأسر التي يقدمونها في لوائح طلب الدعم والإعانات.
تخلي النظام الجزائري، ولو بشكل غير رسمي، عن دعم البوليساريو بالصورة التي كانت عليها علاقتهما في السابق، شكل بدون شك حالة من التخبط في طريقة اشتغال الانفصاليين الذين حولوا القصة إلى أصل تجاري مُربح. ولا شك أن هذا الوضع سيلعب دورا كبيرا في مستقبل هذا الصراع، خصوصا وأن البوليساريو تلقت ضربات موجعة منذ شتنبر 2018، حيث بدأت سلسلة من سحب الاعترافات في مناطق كانت تعد معقلا حقيقيا لدعم الجبهات الانفصالية عن عدد من الدول الكاملة السيادة.
في منتصف الثمانينيات، أرسل الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران مسؤولا حكوميا على رأس وفد رسمي صغير من وزارة الخارجية الفرنسية إلى المغرب، لكي يبلغ الملك الحسن الثاني دعمه للمغرب في الصراع مع البوليساريو. وتم استقبال الوفد من طرف وزير الداخلية وقتها إدريس البصري، الذي أوكل أمر اصطحاب رئيس الوفد والحديث معه لتمهيد لقائه بالملك الراحل، إلى لحسن بروكسي أيام كان هذا الأخير موظفا في وزارة الداخلية. وبحكم أن بروكسي كان قد قضى سنوات طويلة في فرنسا لمتابعة دراساته العليا والمعمقة في ما بعد، فقد كان يعرف موقف بعض سياسيي فرنسا وأعضاء الأحزاب من قضية الصحراء المغربية. وخلال الدردشة التي تمت بين الرجلين في بهو الفندق الذي خصص لاستقبال الوفد، اكتشف بروكسي أن رئيس الوفد يحمل نزعة انفصالية عبّر عنها خلال اللقاء القصير، وهو ما يُناقض المهمة التي جاء من أجلها إلى المغرب.
كاد الأمر أن يتحول إلى أزمة دبلوماسية لولا أن رئيس الوفد فضل ترك قناعاته الشخصية جانبا، وإنجاز المهمة الدبلوماسية التي جاء من أجلها إلى المغرب، ثم العودة إلى باريس.
هذه القصة القصيرة تلخص كيف أن بعض المواقف الشخصية لمن ليس لديهم نضج سياسي كاف، أو يحملون قناعات تنطعية لا تمثل بالضرورة الموقف الرسمي للهيئات السياسية والمؤسسات التي يشتغلون داخلها، يمكن أن تسبب كل هذا الإحراج.