شوف تشوف

الرئيسية

انتخابات المأجورين.. بداية غير مشجعة

تخفي الاتهامات المتبادلة بين الحكومة ومركزيات نقابية، حول شوائب انتخابات مندوبي المأجورين، غابة فسيحة لا تحجبها هذا الشجرة، فالأمر يتعلق بمصداقية إشراف رئيس الحكومة على المسلسل الانتخابي برمته. وأي خلل يعتري انتخابات المأجورين إلى اللجان المتساوية، ولاحقا إلى مجلس المستشارين، من شأنه أن يؤثر في جوهر العملية السياسية.
من هذا المنطلق قدمت مركزيات تضررت من ظروف الاقتراع دفوعاتها حول الموضوع، واضطرت الحكومة إلى أن ترد على تلك المؤاخذات عبر مجلس حكومي، يفيد بأن كافة الشركاء في الائتلاف الحكومي متفقون على النبرة الرسمية. مع ملاحظة أن بعض مكونات الائتلاف، أي تجمع الأحرار والحركة الشعبية والتقدم والاشتراكية ليس لديها طموح كبير على الواجهة النقابية كما هو وضع «العدالة والتنمية» إذ ينفرد الاتحاد المغربي للشغل والكونفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد العام للشغالين، ثم الفيدرالية الديمقراطية والاتحاد الوطني للشغل بمراكز النفوذ المؤثر. غير أن انفراد تيار المستقلين بصدارة الاقتراع يطرح تساؤلات حول حجم ذلك التأثير على الصعيدين النقابي والسياسي. مع التأكيد على المضاعفات السلبية لحدوث صراعات وانتقادات داخل بعض التنظيمات النقابية، فهذا واقع لا يمكن الالتفاف عليه.
مع الفارق الكبير في حجم ومفهوم «المستقلين» في انتخابات مندوبي المأجورين، وميكانيزمات الاستحقاقات الانتخابية إلى المجالس البلدية والجهات، فإن ظهور هكذا تيار، من غير المستبعد أن يصبح له امتداد في باقي الاستحقاقات، خصوصا وأن انتخابات البلديات لا تتطلب تزكيات حزبية صارمة، ولا يقتصر الترشح إليها على الملتزمين حزبيا، إلا أنه ثبت أن مفهوم الانتماء في التجارب المحلية يرجح خيار الاتفاق على برامج موحدة وليس مجرد انتخاب أشخاص قد يحظون بثقة الناخبين.
ولا يمكن استثناء نظام الجهة من هذا الالتزام، بالنظر إلى الصلاحيات الواسعة التي أصبحت تحظى بها، بعد أن انتقلت إلى مؤسسة دستورية في غضون تغييرات بنيات الدولة والإدارة، بما يسمح برفع الأعباء عن السلطة المركزية واقتسام وتكامل المسؤوليات في التدبير المباشر القائم على الأرض، غير أن أوان استقراء التجربة المرتقبة لم يحن إلى حين بدء غمار المنافسات وظهور قوائم الترشيحات ونسب الحضور السياسي.
البداية بالنسبة لانتخابات المأجورين لم تكن مشجعة على أي حال، وما اعتراها من مؤاخذات يشي بأن الأمور لم تسر كما يجب، أقله على نطاق التقبل الوفاقي للنتائج لكن اتهامات رئيس الحكومة لبعض الأصوات أنها تسلك نفس نهج أحزاب سياسية، لا يلغي حقيقة أن هناك مؤاخذات ارتبطت بهذه العملية، وفق ما تؤكد بعض النقابات، على أن أي طعن في مسار هذا التجربة من شأنه أن يلقي بظلاله على مستويات التمثيلية النقابية داخل مجلس المستشارين. ولعل هذا في مقدمة الأسباب التي جعلت العملية تنطبع بنوع من الحدة، إلى درجة أن بعض الزعامات الحزبية هددت بالانسحاب من العملية السياسية برمتها في حال استمرار التجاوزات.
سيكون الأجدى الاحتكام إلى الطعون والإجراءات القانونية ذات الصلة، بدل الإمعان في تغليب المنظور السياسي، فالمركزيات النقابية على رغم ارتباطات معظمها بأحزاب سياسية تضم فئات من غير الملتزمين حزبيا، والاتحاد المغربي للشغل قطع منذ فترة، طويلة مع الانتماء الحزبي المباشر، لكنه أبدى انفتاحا على مركزيات نقابية، لم يكن يقبل الحوار معها سابقا، بينما تطور الخطاب النقابي من ثقافة الاحتجاج إلى تغليب خيار المشاركة، حتى أن أرباب العمل أبدوا من جانبهم بعض الانفتاح على شركائهم النقابيين.
وقد ذهب المشرع إلى إيلاء الحضور النقابي ميزة خاصة، حيث أن خُمُسين من أعضاء مجلس المستشارين ينتخبون من الغرفة المهنية والهيأة الناخبة لممثلي المأجورين، وبالتالي فإن نتائج انتخابات المندوبين سيكون لها بالغ التأثير في التركيبة المرتقبة، عدا أن «الحوار الاجتماعي» الذي يضم الحكومة وممثلي المركزيات النقابية وأرباب العمل بات ركنا أساسيا في ضوابط السلم الاجتماعي الذي يمكن أن يتعرض إلى الانهيار في حال إخفاقه وعدم الاستجابة للمطالب المشروعة للمركزيات النقابية، في إطار سياسة الممكن من المستحيل، أي تخصيص أكبر ما يمكن من الموارد المتاحة لتنفيذ المطالب العمالية.
ليس من الوارد حل الإشكاليات المطروحة بمنظور الصراعات السياسية، لأن كل الأطراف متخندقة في مواقع محكومة بقاعدة العراك الدائر بين المعارضة والحكومة. والأرجح أن الاحتكام إلى المرجعية القانونية في إمكانه تجنيب الاستشارة السابقة واللاحقة مضاعفات ذلك التخندق الذي يكون طبيعيا، ما لم يتجاوز حدود الصراع الذي تستخدم فيه الوسائل المشروعة.
لم يفت الأوان بعد، ولا زال من الممكن إحاطة الاستحقاقات بمزيد من الضمانات، والأهم ليس أن يرعاها رئيس الحكومة أو غيره، بل تكون مسايرة لتوجهات مبدئية برسم الحياد والنزاهة والشفافية، وفي ذلك فليكن التباري على أشده.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى