انتخابات الخرق والتضليل
فجأة ومن دون سابق إنذار، اتسعت شريحة الفئة الفقيرة في المغرب لتشمل فئة الوزراء ورجال وسيدات الأعمال الأرستقراطيين وأصحاب شركات وخريجي المدارس العالمية العليا، وذلك على هامش استحقاقات الرابع من شتنبر. فجأة أصبح الأكل من عربات التين الهندي والشرب من كؤوس «الكَراب» موضة دارجة وتصرفا غير مضر لا بالصورة الاجتماعية ولا بالمناعة الجسدية.
فجأة أصبحت كل التصرفات شرعية في سبيل استدرار الأصوات، إخوان وأخوات يعانقون مواطنين ومواطنات لا تربطهم بهم أية قرابة عائلية في حفاوة «شرعية» رفعت حرمتها استثناءً في فقه نوازل الانتخابات. رفاق ورفيقات يتذكرون شعارات اليسار الناسفة للطبقية الاجتماعية وينضمون لبروليتاريا الشعب الحقيقية فيعانقون عمال القمامة والنظافة والميكانيك الشرفاء، دون أن يخشوا «كرمشة» ملابسهم.
فجأة صار كل شيوخ المشهد السياسي شبابا بفعل «الفوتوشوب»، بعضهم اختفت لحيته وبعضهن اختفت تجاعيدهن في محاولة نصب فادحة على مواطن يؤمن بأن تدبير الشأن العام يتوقف، إضافة إلى الكفاءة والجدارة، على مدى نشاط وحيوية وصحة وشباب المسؤول وقدرته على التواجد ليس في مكتبه ولا في عيادات الأطباء، بل في الأحياء والدوائر التي يدبر شأنها.
فجأة أصبح معيار الترشح غير مرتبط لا بكفاءة الفرد ولا بسيرته ولا بمدى جدارته بموقع تدبير الشأن العام، بل مرتبطا بـ«لابل ولد الشعب» الذي يبعث في الشعب لمصلحة الشعب، وصار كل المرشحين، مهما تعددت الأصفار خلف الأرقام في رصيدهم البنكي، أبناءً للشعب وصار الشعب الحقيقي لقيطا لا أب له.
فجأة صارت أحزاب من الحكومة تخرق القوانين في سبيل الفوز، تمارس عمالة الأطفال التي انخرط المغرب في كل الديناميات العالمية التي تحاربها وصادق على النصوص والمعاهدات التي تقننها دون أن يرف لها جفن أو ترتعد لها فرائص.
فجأة لم يعد التقويم الزمني الذي يعمل به في المغرب موافقا لخط «غرينيتش»، بل لمواقيت الصلاة، فصارت اللقاءات تعقد بعد صلاة كذا في استعمال بئيس ودغدغة فادحة لمنسوب التدين لدى المواطن. وصارت صور السياسيين وهم يهمون بالوضوء والصلاة والدعاء وولوج المساجد دارجة أكثر من صور أنشطتهم السياسية.
فجأة صار الرفاق إخوانا والإخوان رفاقا، وصارت شعاراتنا مجرد مسيرات جيَّشت لها الأحزاب، حسب قدراتها الشرائية، ما استطاعت إليه سبيلا من وسائل النقل والعاطلين وممارسي حرف المواسم، وحتى الحناجر الصادحة بأغان شعبية فظيعة، جلها سب ولمز في «الخصوم» و«المنافسين». حملات بطعم الشعبوية القميء لا تحمل سوى وعود مرتبطة بمشيئة الله وليس ببرامج العمل.
فجأة صار المسؤولون عن نظافة الأحياء هم أنفسهم من «يقذرها» – بالمعنى العامي للكلمة- فأصبحت أزقتنا مفروشة بالأوراق وقناني المياه والمشروبات الغازية التي يتزود بها منشدو الانتخابات.
وعلى ذكر الأوراق المنثورة على الأرض، ورغم كل «الفجآت» السابقة، هناك استفادة جليلة حظيت بها شخصيا، وهي أنني رأيت أخيرا الصور الحقيقية لبعض الحيوانات المفترسة، كما مكنني فشلي في جمع كل الأوراق من على الأرض، أن أدعس بعض الوجوه الكريهة بتلذذ انتقامي غريب.