يونس جنوحي
تداعيات فيضانات جنوب إسبانيا ولوائح المفقودين، من مختلف الجنسيات، في مدينة “فالنسيا”، يُتابعها المرشحون للهجرة غير النظامية، أكثر مما تتابعها عائلات المفقودين.
الإسبان يعيشون أياما عصيبة، والفيضان عرّى ارتجال بعض المصالح الحكومية هناك وعدم تفاعلها الفوري مع الكارثة، وتأخر التدخل إلى أن تفاقم الوضع ولم تعد السيطرة عليه ممكنة.
وسائل إعلام إسبانية تصنف الفيضان أسوأ كارثة طبيعية ضربت البلاد في نصف القرن الأخير.
أضرار جسيمة في الممتلكات، وسيارات متراكمة فوق سكة الحديد، وأحياء بكاملها جُرفت وفقدت معالمها. بما في ذلك بعض الأماكن التاريخية التي عمّرت لقرون، مسحتها السيول الجارفة في دقائق وتراكمت فوقها كميات من الطين قد يحتاج المنقذون لأيام قبل الانتهاء من إزاحة طبقات الطين، ولا يستبعد المُنقذون العثور على جثث عند الانتهاء من العملية.
البلدات الريفية المحيطة بمدينة “فالنسيا” تكبدت خسائر فادحة، خصوصا وأن أغلب سكانها مُسنون. بل إن بعض دور الرعاية الخاصة بالمسنين غرقت هي الأخرى في السيول وتوفي بعض نزلائها غرقا في غُرفهم.
التخوف الكبير لدى الإسبان، شعبا وحكومة، أن يكون المفقودون أكبر عددا من الذين تم الإعلان عن وفاتهم رسميا جراء الفيضان. وبهذا تكون الكارثة الحالية، الأسوأ في إسبانيا لأن أرقام الوفيات مفتوحة، وكل يوم يتم الإعلان عن لوائح جديدة من المفقودين.
المعروف أن قرى إسبانيا في الجنوب، وحتى قلب مدينة “فالنسيا” تعج بالمهاجرين غير النظاميين الذين لا تعرف عنهم الحكومة الإسبانية شيئا ولا تملك عنهم أي معطيات.
وحتى لو كان هؤلاء المهاجرون في عداد المفقودين فإن الحكومة لا تعرف أصلا أنهم موجودون فوق ترابها.
بعض المزارع المحيطة بفالنسيا، والتي حددها المتخصصون في دائرة قطرها 85 كيلومترا، تضم “جيشا” حقيقيا من المهاجرين غير الشرعيين تقدر أعدادهم بعشرات الآلاف، يعملون في قطاع الزراعة ويقيمون في ملاجئ مؤقتة بنوها بأنفسهم، وبعضهم يقيمون في إسطبلات مهجورة.
بعض العائلات المغربية تعيش هذه الأيام قلقا كبيرا بشأن مصير أفرادها المقيمين في إسبانيا ولا يتوفرون على إقامة ولا تأشيرة. كل ما يعرفونه عن أقاربهم وأحبائهم وأبنائهم أنهم وصلوا إلى إسبانيا مؤخرا، وأنهم بصدد البحث عن عمل لتسوية وضعيتهم القانونية في “أقرب الآجال”.
وها هو “الأجل” المحتوم قد اجتاح واحدة من أكثر المدن الإسبانية التي يقصدها المهاجرون المغاربة للبحث عن حياة جديدة في أوروبا.
إذا لم تبتلع مياه البحر أجساد المرشحين للهجرة عند عبورهم مضيق جبل طارق، فمياه الفيضان تهدد حياتهم حتى بعد وصولهم سالمين إلى الضفة الأخرى.
حتى الآن، لم يصدر عن السلطات الإسبانية أي توضيح بشأن مصير المهاجرين غير الشرعيين الذين يقيمون في المناطق والبنايات المهجورة وداخل الضيعات الفلاحية. خصوصا وأن هؤلاء المهاجرين ليسوا في لوائح الذين يتوقع أن يتم إنقاذهم ولا أن تُوزع عليهم المساعدات.
وعلى ذكر المساعدات، فقد سُجل تأخر كبير في إسعاف الناجين بالأدوية والأغذية، ولم تُطلق أي حملة تضامنية طوال الساعات الأولى التي تلت الكارثة. حتى أن هناك من يقارن بين الإنسانية التي أبان عنها المغاربة في مأساة زلزال الحوز، وانشغال الإسبان في الشمال عن الكارثة التي أصابت الجنوب.
المنظمات الإنسانية التي تفتح فروعا لها في إسبانيا مشغولة بفتح الاتصال مع السلطات الإسبانية للوصول إلى لوائح ناجين لا يملكون تأشيرة أو وثائق إقامة، وإلى الآن لم يتم الإعلان عن أي جديد بهذا الخصوص. تداعيات الكارثة سوف تكون أسوأ على الذين يقيمون في إسبانيا ولا يملكون جواز سفر ولا تاريخ عبور ولا أي رقم تسلسلي في لائحة انتظار. بل حتى الذين يحملون الجنسية الإسبانية ويؤدون الضرائب، وجدوا أنفسهم في وضع لم يتصوروا يوما أنهم سوف يختبرونه في حياتهم. الطوفان في النهاية، لا يسأل ضحاياه عن لون جواز السفر..