احتفل العالم، قبل أيام قليلة، باليوم العالمي للسعادة، الذي يصادف الحادي عشر من نونبر من كل سنة. اختارت الأمم المتحدة تخصيص يوم محدد تحتفي فيه البشرية بالسعادة والبهجة.. معذرة عزيزي القارئ على هذا الخطأ المطبعي غير المقصود، إذ يبدو أن التواريخ والأيام قد اختلطت في ذاكرتي المشوشة، فاعتقدت أن الحادي عشر من نونبر هو يوم السعادة العالمي، بينما هو في حقيقة الأمر يوم العزوبية العالمي.. ولكن لحظة من فضلك أيها القارئ! ألا تعتقد أن العزوبية تساوي السعادة؟
للإجابة عن هذا السؤال لا بد أولا من تحديد أطراف المعادلة التي تصنع السعادة. بما أن الحرية المعنوية والمادية هي إحدى ركائز العزوبية، وبما أن تيمة الحرية في المطلق هي أسمى تمظهرات السعادة الإنسانية، فبالتالي نجد أن العزوبية تساوي السعادة.
غير أن المندوبية السامية للتخطيط كان لها رأي آخر، حيث كشفت أرقام الاحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2024 عن مفاجآت مثيرة للاهتمام والتأمل. غالبا ما اعتاد المغاربة على تداول رقم «أربعين مليون د البشر» في حديثهم عن عدد سكان المملكة. لنكتشف أن عددنا الحقيقي لا يتجاوز 36 مليون مواطن وشي بركة.. أي ما يعادل حيا سكنيا في الصين الشعبية، أو سوقا أسبوعيا في الهند، أو محافظة نائية في مصر. فكيف اختفى أربعة ملايين إنسان مغربي؟ من المعلوم أن بلادنا لم تتعرض في تاريخها الحديث إلى حروب مدمرة أو كوارث نووية أو مجاعات أو أوبئة، كان من الممكن أن تتسبب في تغيير البنية السكانية للبلاد. فما هي التحولات البنيوية التي طرأت على التركيبة السكانية في المغرب وجعلت نسبة معدل النمو السنوي تنخفض من 1,25 في المائة بين 2004 و2014 إلى 0,85 في المائة بين 2014 و2024؟ ماذا تغير في عقل وقلب وجيب المغاربة، حتى أصبحوا يشيحون بوجوههم عن بنود الميثاق الغليظ؟ هل هي رياح التغيير الفكري القادمة من الغرب؟ أو لهيب ارتفاع أسعار المحروقات القادمة من الشرق؟ أو هي لحظة إدراك جماعية أرغمت المغاربة على إعادة النظر في أولوياتهم الحياتية، وعلى رأسها السعادة الشخصية وراحة البال؟ لماذا تزايد فجأة عدد المضربين عن الزواج؟ ولماذا تعتقد المندوبية السامية للتخطيط أن انخفاض معدلات الخصوبة والعزوف عن الزواج، يعد مؤشرا اقتصاديا مقلقا حد الخطر؟
يجيبنا عن هذا السؤال إيلون ماسك، أو «السيدة الأولى للبيت الأبيض» كما لقبه بذلك ستيفن كينغ متهكما، بعد أن شهدنا جميعا قصة العشق الممنوع التي جمعت الثنائي ترامب وماسك في الانتخابات الأخيرة. يقول ماسك إن شيخوخة القاعدة السكانية العالمية قد أصبح أمرا يدعو للتدخل العاجل والحازم من طرف الحكومات، لحث النساء على إنجاب المزيد من الأطفال. توقفت كثيرا عند هذا التصريح الطبقي الميزوجيني الغريب، ولكن إذا عرف السبب بطل العجب. ماسك عملاق الصناعات التكنولوجية المتطورة وصاحب الشركات الرأسمالية الرائدة في صناعة الفضاء، تحدث من وجهة نظر المدير الرأسمالي الجشع، الذي يرغب في المزيد من العبيد في صروحه الاستهلاكية الضخمة. إضافة إلى أن إيلون ماسك وكما عهدنا فيه من صفات الميزوجينية والتمييز المقزز ضد النساء، حمّل المرأة مسؤولية «تصنيع» أجيال من عمال الحد الأدنى من الأجور والكرامة.
يجيب جيل الألفية وGenZعلى عقلية ماسك وأمثاله بالمساهمة في تكريس انخفاض معدلات المواليد، وذلك نظرا إلى تطور المعايير الاجتماعية والتوقعات المحيطة بالعلاقات والحياة الأسرية. في الأجيال الماضية، كان الزواج والإنجاب يُنظَر إليهما غالبا باعتبارهما معالم تحدد مرحلة البلوغ. ولكن اليوم، تغيرت التوقعات المجتمعية. حيث يضع الشباب قيمة متزايدة للحرية الشخصية، وتطوير المهنة، وتحقيق الذات على المسار التقليدي للزواج وتربية الأطفال. وقد أدى هذا إلى إعادة تعريف النجاح والسعادة، حيث يتم إعطاء الأولوية للإنجاز الفردي على الحياة الأسرية.
على وجه الخصوص، يرى العديد من الشباب أن البنية الأسرية التقليدية أقل رغبة أو أهمية في العالم الحديث. كما تتراجع معدلات الزواج، حيث يختار العديد من الشباب الاكتفاء بالمواعدة، أو في حالات محدودة «الكونكيبيناج». بالإضافة إلى ذلك، أدى صعود الفردية والحرية في استكشاف أنماط حياة مختلفة إلى جعل البقاء عازبا أو تأخير العلاقات أكثر جاذبية. مع ظهور التكنولوجيا، أصبح الناس أكثر اتصالا من أي وقت مضى، ولكنهم أيضا أكثر راحة في الحفاظ على العلاقات من خلال الوسائل الرقمية، مما قد يساهم في انخفاض الرغبة في الالتزام والمسؤولية التي تأتي مع الزواج والأسرة.
إن تفضيل الجيل الأصغر سنا للبقاء عازبا وتأخير الإنجاب مرتبط أيضا بتغير المواقف تجاه الأدوار الجنسانية. فمع دخول النساء بشكل متزايد إلى سوق العمل وسعيهن إلى الحصول على التعليم العالي، أصبحت التوقعات الجنسانية التقليدية ــ مثل ضرورة تركيز النساء في المقام الأول على رعاية المنزل وتربية الأطفال ــ أقل أهمية. وترى العديد من النساء على وجه الخصوص الآن، أن القدرة على متابعة مهنة وطموحات شخصية، لا تقل أهمية عن تكوين أسرة.
أتذكر، قبل أسابيع، كيف صارحتني صديقتي المقربة أنها تفكر جديا بالزواج، لأجيبها قائلة: ضروري تزوجي واش بغيتي تبقاي حياتك كلها سعيدة؟