شوف تشوف

الرأي

الوهابية

خالص جلبي
الوهابية الحالية هي بنت القديمة ولذا كان من المهم قراءة التاريخ فذاكرة الشعوب قصيرة، ومما ينقل عن الجاسوس البريطاني (فيلبي) عن نهاية حركة (الإخوان) في السعودية على يد الملك عبد العزيز «لقد كان خلق ابن سعود لحركة الإخوان سنة 1912م ضربة معلم عبقري، لا يوازيها غير تصفيته لهذه الحركة بعد ثمانية عشر عاما، حينما ثبت لديه أنها لم تعد إلا عقبة كأداء في سبيل استقرار الأوضاع، التي بناها بطول صبر وجهد؛ فلقد كان يمكن لهذه الحركة التي أوجدها ابن سعود من العدم أن تدمره وتنهكه، لو لم يبادر هو إلى تدميرها».
وهذه القصة ليست خاصة بمكان، بل هو قانون إنساني يسري على جميع الحركات الاجتماعية.
فالسلطان (محمود الثاني) عندما حاول التخلص من الانكشارية عام 1808م قلبوا قدروهم، وهجموا على السرايا الحكومية، وقتلوا الصدر الأعظم، وأشعلوا العاصمة نارا؛ فأذعن لطلباتهم، حتى جاءت نهايتهم عام 1826م؛ فحصدهم بالمدفعية على يد الصدر الأعظم الجديد (قره جهنم)، أي جهنم السوداء فأبدلهم بجنة كسلهم نارا تتلظى.
ومن قبل تتكرر القصة بين (أبي مسلم الخراساني) وأبي جعفر المنصور؛ فالأول بنى الدولة العباسية بالدم والتجسس وحسن التنظيم، والثاني أخذ الثمرة، حتى إذا نازعه فيها نزع روحه، وفي المقابلة الأخيرة بينهما ـ بعد أن غدر به المنصورـ تضرع إليه الخراساني أن يبقيه لأعدائه قال: ويلك وهل عدو أخطر منك؟
والسيناريو نفسه جرى مع الأحزاب المعاصرة، سواء الإخوان المسلمين، أو حزب البعث العبثي؛ فحسن البنا أنشأ التنظيم المسلح السري الخاص برئاسة (السندي)، فلما طلبه في بعض الشأن قال: على البنا أن يراجعني، والسندي غلام ولا يزيد عن نبتة زرعها وغذاها حسن البنا، حتى انفجر به لغم (التنظيم الخاص) الذي صنعه على عينه؛ حين اغتالته عصابة النقراشي ولم يكمل الرجل 42 عاما؛ فلم يكن مصرعه سوى رد فعل عادي على مقتل النقراشي و(يداك أوكتا وفوك نفخ).
و(ميشيل عفلق) و(صلاح البيطار) كانا من مؤسسي حزب البعث العبثي؛ فأما الأول فسقط صريعا في باريس برصاص الرفاق، وأما الثاني فحكم عليه الرفاق بالإعدام، حتى آواه (صدام) المصدوم بالصدمة والدهشة؛ ومات مقبورا في أرض الحجاج، قبل أن ترى عينه انهيار البعث مثل بيت العنكبوت وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت.
أما عصام العطار الإسلامي في (ألمانيا) فقد نجا من أيدي رسل الموت البعثية بأعجوبة بعد أن دفعت زوجته الثمن؛ فسقطت صريعة رصاص مخابرات البعث، وكان محظوظا إلا ينتهي بيد الإخوان كما حصل مع شاه مسعود في أفغانستان، وسوف تكشف الأيام الجديد عن داعش وفاحش.
وهذه القصة تكررت في سيناريو الترابي وعسكر السودان؛ فكل حصان قابل للترويض إلا الحصان العسكري؛ فإنه يجمح براكبه فيدق عنقه. هكذا جاءت أخبار الانقلابات ووقائع التاريخ.
وعندما فشل هتلر في انقلابه عام 1923 م وجلس في السجن، انكب على تأليف كتابه الشهير (كفاحي MEIN KAMPF)، وفيه وصل إلى قناعة كاملة أن الوصول إلى السلطة في ألمانيا يجب أن يكون بالطريق الديمقراطي، وهكذا جاء هتلر الى السلطة عام 1933، وعندما سقطت في يده تفاحة السلطة الناضجة، أقسم له الجيش البروسي ذو التقاليد العريقة على الولاء، ولكن (روهم RUHEM)، قائد المليشيات العسكرية، لم يستوعب هذه الحقيقة، ولما تمرد قام هتلر بتصفيته فقتله بيده؛ مع أن نجم هتلر صعد على أكتاف رجال من نوع روهم. فهذه هي حكمة العسكريين الأولى التي يجب تلاوتها بخشوع من كتاب ميكيافيلي (الأمير): (على الحاكم أن يكون ماكرا كالثعلب، دمويا كالنمر، وعليه أن يقتل بدون تردد).
في كتاب (القوة) لروبرت غرين يضع 48 قاعدة في لعبة السلطة، وأول قاعدة تقول: لا تلمع أكثر من سيدك. ويشرح القانون أن «اجعل أولئك الذين فوقك يشعرون دائما بتفوقهم بشكل مريح. وفي رغبتك لإرضائهم وإثارة إعجابهم لا تذهب أبعد من اللازم في إظهار مواهبك، وإلا فقد تخلق العكس، أي تثير الخوف وانعدام الأمن. اجعل سادتك يظهرون ألمع مما هم، وستصل إلى قمم السلطة».
وكان الإخوان يظنون أن الشيطان ينقل الخبر عبر أسلاك التلغراف. ولكن بدون فائدة حتى وقعت الواقعة وحكم السيف؛ ففي موضع يقال له السبلة قريبا من الزلفي إلى الشرق من بريدة في 30 مارس من عام 1929م دارت معركة طاحنة، بعد أن ثار الإخوان ومعهم خمسة آلاف مقاتل فهزموا. وجيء بأحد الثوار المشهورين وهو فيصل الدويش جريحا على نقالة من سعف النخل، وحوله زوجته وبناته يبكين، فأشفق عليه الملك عبد العزيز وعفا عنه. ولكنه عاد فغدر ولحق باثنين آخرين، هما سلطان بن بجاد وضيدان بن حثيلين. حتى سلمهم الإنجليز إلى الملك بن سعود من العراق مثل البريد المضمون بطيارة.
وبعد الانتهاء من القضاء على حركة الإخوان تنفس الملك عبد العزيز الصعداء وقال: «من اليوم سنحيا حياة جديدة».
وفعلا فقد بدأ الرجل في تحديث بلده فصار يفتح المدارس، وأنشأ جيشا نظاميا من الحضر تحت إشراف بعض الضباط العرب من بقايا الجيش العثماني، كما استورد السيارات وأجهزة اللاسلكي لربط أنحاء مملكته الواسعة، وقد عاونه في ذلك فيلبي معاونة كبيرة.
وفيلبي هو من ساعد في استقدام شركات التنقيب عن البترول، التي عثرت عليه في الظهران وحينما تدفق النفط أصبحت السعودية مروجا وأنهارا وأشجارا لا تقترب منها غوطة دمشق الفيحاء.
ويعلق (الوردي) على واقعة السبلة بقوله في كتابه (لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث) مجلد 6، ص 335: «يدل التاريخ على أن معظم بناة الدول يقتلون من يساعدهم في بنائها، وسبب ذلك أن أولئك المساعدين يريدون أن يشاركوا الباني في ثمرة بنائه، بينما هو لا يريد أن يتنازل لهم عن تلك الثمرة، فينشب النزاع بينهم، وقد ينتهي النزاع إلى القضاء على أولئك المساعدين، وقد صدق من قال السياسة لا قلب لها».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى