حين كان وزيرا في حكومة الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، ظل إيريك بوسون ينسج خيوط العلاقات مع المغرب ويحجز في وجدانه مساحة لفضالة وفريقها شباب المحمدية.
كلما تردد إيريك على المغرب بصفته وزيرا للهجرة والإدماج الاجتماعي والهوية الوطنية والتنمية التضامنية أو وزيرا مكلفا بالصناعة والطاقة والاقتصاد الرقمي، وقبل ذلك عندما دخل الحكومة الفرنسية سكرتيرا للدولة مكلفا بتقييم السياسات العمومية، يصر في مداخلاته على السؤال عن حال وأحوال شباب المحمدية.
في أحد الاجتماعات الرسمية مع وزير الصناعة والتجارة المغربي وبعض رجال الأعمال المغاربة والفرنسيين، تناول بوسون الكلمة وقال في مستهل مداخلته:
«كلما حللت بالمغرب يمتلكني الحزن ويلفني الألم وأشعر كأن عداد الزمن يسير إلى الوراء، مؤسف فعلا».
رسم هذا الاستهلال غير المتوقع تقاسيم الغضب على وجوه الحاضرين مغاربة وفرنسيين، وتبادل منظمو اللقاء التشاوري نظرات تنطق بالشك والتوجس والخوف.
سكت إيريك لثوان وأطرق برأسه، في ما يشبه الفاصل الأثيري، قبل أن يخرج الملتقى من نفق الحيرة ويقول:
«أقصد الوضع المائل لفريق شباب المحمدية الذي سكن جوارحي، كنت عاشقا لنادي فضالة وأنا يافع وحين غادرت المحمدية لم يغادرني هذا النادي الذي كان يمدني نهاية كل أسبوع بجرعة من السعادة لا تنتهي إلا مع مباراة قادمة»، قبل أن يعلن أسفه على فريق كان صرحا فهوى.
تنفس الحاضرون الصعداء حين كشف الوزير الفرنسي عن حجم الألم الذي يسكنه، وانخرطوا في نوبة تصفيق رغم أن غالبيتهم يجهلون تصنيف فريق فضالة ومصيره، ولا يعرفون وجهة الملعب الذي تحدث عنه الوزير.
بين إيريك وشباب المحمدية علاقة حب جارف، وكلما زار فضالة توقف أمام ملعب البشير كشاعر تفيض قريحته أمام الأطلال، يتحول إلى واحد من عاشقي الوقوف على الأطلال، ولسان حاله يردد مطلع معلقته الخالدة:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل..
كشف الوزير في أكثر من مناسبة عن إعجابه الكبير بأحمد فرس صاحب أول كرة ذهبية إفريقية في تاريخ الرياضة المغربية، وبقدرات هذا اللاعب الذي سكن ذاكرته وهو فتى وتصوره خارقا ليس من طينة البشر، لقدرته على تسجيل الأهداف بتسديداته القوية وبضربات رأسه السديدة، وبالمتعة التي يشمل بها مدرجات ملعب مترب.
لا يعلم الوزير أن أحمد فرس يعاني في صمت يقاوم المرض يتصدى لنوباته، تشمله زوجته الحاجة وبناته بالرعاية اليومية، ويحاولن انتشاله من حالة الشرود التي تنتابه بين الفينة والأخرى فيعتزل الحديث عن الكرة ومحيطها.
لا يعلم كثير من أبناء فضالة سر اختفاء فرس ومقاطعة مائدته المعهودة في مقهى روكي، ولا يكلف القائمون على الكرة في هذه المدينة أنفسهم عناء الاستفسار عن سر الغياب، إيمانا منهم بالقول المأثور «الغايب حجتو معه».
يطلق الزميل بلبودالي بين الفينة والأخرى نداء ينبه الفضاليين إلى الوضع الصحي لهرم من أهرامات الكرة المغربية، لكن لا حياة لمن تنادي بل إن السؤال عن حال وأحوال «مول الكرة» يأتي غالبا من خارج مدار المحمدية.
نعود إلى إيريك الوزير العاشق للمغرب ولشباب المحمدية وأيقونتها فرس، لتلمس خيوط الوفاء في انتظار مبادرة قيد الدرس للقاء قد يجمع الوزير ومول الكرة، في مشهد مشبع بالوجدانية، خاصة وأن إيريك أصبح شبه مقيم في المغرب بعد أن اختار الاستثمار في مسقط الرأس والقلب، وأضحى عارفا أكثر بتفاصيل المجتمع المغربي.
ليس إيريك الوزير الوحيد الذي انضم لشعراء الأطلال كلما حل بالمغرب، فهناك وزراء أجانب لازال يسكنهم عشق الكرة المغربية، ويذكرون أيامهم الخوالي في ملاعب فيليب أو سطاد ماروكان أو مرشان أو العبدي أو دونور وفي كل فضاء قادر على صنع شعراء الرثاء.