الوزير الفرنسي المتنكر في زي مغربي
حسن البصري
في مدينة مكناس يمكنك أن تجد لهذا الرجل فضاء يخلد اسمه ويحفر ذكراه في نفوس المغاربة، إنه المركز الثقافي ميشيل جوبير الذي يجمع بين الفينة والأخرى المثقفين في لقاءات تطرد الكساد الفكري عن مدينة أفلست فيها الثقافة والرياضة.
ولد جوبير عام 1921 بمدينة مكناس، وكان والده مهندسا زراعيا شارك في في الحرب العالمية الأولى، فتعرض لإصابة بالغة. لم يكن الطفل ميشيل يعرف فرنسا إلا من خلال ما يرويه والده ووالدته من ذكريات، لكنه مع مرور الأيام بدأ يكتشف تدريجيا سر تواجده في بلد آخر، حيث عاش عن قرب معاناة المغاربة وفقرهم تحت الاستعمار الفرنسي، فأحب هذا الشعب العربي وأحسن عشرة الثقافة العربية ما طبع سلوكه ومواقفه حين تحمل المسؤوليات الكبيرة في بلاده، وإلى آخر لحظة في حياته.
قضى طفولته وشبابه في المغرب، ودرس في مؤسسات تعليمية بفاس مخصصة لأبناء الأعيان، وحين حصل على شهادة الباكلوريا سافر، بقرار من أسرته إلى فرنسا، ليتابع دراسته الجامعية في المدرسة الحرة للعلوم السياسية في باريس، حيث اختار مهنة المحاماة، وخلال العطل الدراسية كان يعود مسرعا إلى مكناس.
تقلد جوبير عدة مناصب في فرنسا، ومن عجائب القدر أن جوبير فارق الحياة في مستشفى باريسي يحمل اسم جورج بومبيدو، وهو الرئيس الذي كان بمثابة ظله لسنوات طويلة، حيث شغل منصب مدير مكتب جورج، عندما كان هذا الأخير رئيسا للحكومة الفرنسية، في عهد الجنرال شارل ديغول. وبعد انتخاب بومبيدو رئيسا للجمهورية، أصبح جوبير أمينا عاما للرئاسة، وهو منصب استراتيجي من الطراز الأول لأنه يتيح لصاحبه الاطلاع على كل الملفات الداخلية والخارجية، بما في ذلك الملفات الحساسة. ومن هذا المنصب، انتقل ابن مكناس إلى وزارة الخارجية حيث أظهر براعة دبلوماسية نادرة ورؤية لدور فرنسا ولقدرتها على لعب دور دبلوماسي آخر.
عاد ميشيل لممارسة المحاماة إلى أن اختاره فرانسوا ميتيران وزيرا للتجارة الخارجية، وكان له شرف المشاركة في تعديل دستور الجمهورية الفرنسية، وكلما كان يغادر بوابة الحكومة كان يتوجه إلى مكتبه ويرتدي بذلة المحاماة.
تختزل شهادة وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر شخصية جوبير، فقد قال عنه إنه الوحيد الذي يشبهه من بين وزراء الخارجية الذين يعرفهم، رغم أن ميشيل وجه انتقاداته للولايات المتحدة ولسياستها في العالم، وكرس أحد كتبه وهو بعنوان «الأمريكيون» لنقد منهجي لا يرحم للتوجهات السياسية الأمريكية.
ذات مرة دعا الرئيس ريتشارد نيكسون وزيره للخارجية هنري كيسنجر، وقال له بغضب: «من هو هذا الرجل الفرنسي قصير القامة الذي يقف كالشوكة في حلقي؟»، فرد عليه كسينجر: «إنه ميشيل جوبير وهو مولود بمدينة مكناس بالمغرب. وأنا أرتاب في أمره، فلعله عربي متنكر في زي فرنسي».
توفي ميشيل جوبير في 25 ماي 2002، بسبب نزيف في الدماغ. عن سن يناهز الواحد والثمانين عاما. وفي تأبينه حضر المغرب بعد الإجماع على كونه من أعز أصدقاء الحسن الثاني، بل إنه كتب الكثير عن المغرب وله كتاب بعنوان: «المغرب في ظل يديه».