«الهْري».. ملحمة موحى وحمو الزياني المنسية (صور)
في الوقت الذي توجد فيه معلومات كافية جدا عن شخصيات أخرى واجهت فرنسا وإسبانيا، مثل محمد عبد الكريم الخطابي، يلاحظ أن وثائق ومراسلات الجيش الفرنسي بخصوص موحى وحمو الزياني لم تهتم بالشكل الكافي بتفاصيل عنه، ولا توفر ما يكفي من معطيات تليق بحجم رجل قاد أول وأشرس معركة ضد فرنسا.
إذ باستثناء مرجع عنوانه «الهري»، كناية عن المعركة، للباحث الفرنسي «جون بيشون» الذي يعتبر دراسة عن «المغرب مع بداية الحرب العالمية»، فإن فرنسا لا توفر أي دراسات وافية بشأن ما وقع في 13 نونبر 1914، ولا عن مهندس الحدث الذي جعل فرنسا تعيد حساباتها وتُبطئ من سرعة عملياتها في المغرب.
«الهري» تفاصيل المواجهة الأعنف بين قبائل خنيفرة و«لابيردو»
كان 13 نونبر 1914 يُصادف يوم جمعة، وكان معروفا أيضا أن قبائل زيان كانوا شديدي التدين. هل تم اختيار يوم الجمعة، بكل الرمزية الدينية التي يمثلها، بالضبط لكي يكون موعدا لمعركة الهري؟ أم أن تطور الأحداث وتربص قوات موحى وحمو الزياني بوحدة المُقدَّم لابيردو، جعل رحى المعركة تدور هناك ليصنع موحى وحمو الزياني واحدة من أقوى محطات التاريخ وأكثرها ضراوة في مواجهة فرنسا.
إذ إن موقعة الهري تعتبر حتى بالنسبة إلى باحثين فرنسيين، أول معركة تُهزم فيها فرنسا في شمال إفريقيا كلها. بل كانت تلك أول مرة يختبر فيها الجيش الفرنسي مواجهة حقيقية ومدروسة ضد المغاربة.
إذ إن المعارك التي وقعت قبل 13 نونبر 1914 كانت لها أهميتها بطبيعة الحال، لكنها لم تكن بنفس قوة معركة «الهري»، ولم تُلحق بفرنسا هزيمة مماثلة في تاريخها.
«الهري» كانت أكبر من معركة، بل كانت نقطة تحول في سياسة الجيش الفرنسي ومخططات الإقامة العامة. إذ إن قبائل زيان أجبرت فرنسا على تأخير إكمال المخطط الذي تلى معاهدة الحماية، وأربك كل الحسابات التي توقعت السيطرة على المغرب كليا، وأصبحت الإقامة العامة حائرة «حرفيا» في الطريقة التي يجب أن تدبر بها الأمور بعد معركة الهري التاريخية.
عبد الرزاق السنوسي، أحد الباحثين المغاربة القلائل الذين نبشوا في تفاصيل موقعة الهري وكواليسها المنسية، وقد سبق له أن نشر مقالا دراسيا في الموضوع سنة 2010، بالتزامن مع ذكرى معركة «الهري»، أي في 13 نونبر. جاء في هذا المقال:
«وبعد معارك في مواقع متفرقة حول مدينة خنيفرة مع المقاومة الزيانية، احتل الغزاة مدينة خنيفرة بقيادة الجنرال هنريس في 12 يونيو 1914، كان شهرَا يونيو ويوليوز من سنة 1914 قد كلفا المقاومة المغربية الكثير من الأرواح والجرحى.
لقد صعدت قوات حمو الزياني إلى الجبال المجاورة، ومنها كان ينظم حملات مباغتة على مراكز العدو. كانت له خطة عسكرية أنهت القوات الاستعمارية واستنزفتها، وقد استمرت مقاومة موحى والمقاومين من قبائل زيان إلى سنة 1921. حيث يعترف الجنرال غيوم بالهزيمة في كتابه «البربر المغاربة وتهدئة الأطلس المتوسط»، وبجسامة الخسائر التي تكبدتها القوات الفرنسية في معركة الهري، بقيادة المناضل الوطني الغيور موحا أوحمو الزياني، الذي ألحق بالمحتل هزيمة نكراء سجلها تاريخ الكفاح الوطني، والمقاومة المسلحة بالأطلس المتوسط عموما، وتاريخ قبائل زيان على الخصوص. ففي يوم 12 نونبر 1914 انعقد اجتماع لقادة جميع الوحدات واطلعوا على الخطة الهجومية، وكانت الفاجعة كبيرة بالنسبة إلى الزيانيين، أي قبائل زيان وأسفنيرن وأيت إسحاق….
لقد انطلقت القوات الاستعمارية في أربع مجموعات تعدادها 1300 جندي وضابط، صباح يوم 13 نونبر 1914، اتجاه الهري، مقر إقامة القائد المجاهد الزياني والمجاهدين على الضفة الشرقية لنهر وادي شبوكة، احتدمت المواجهات بعد وصول بقية فرق العدو، كما تعززت قوات المجاهدين الزيانيين بالتحاق قبائل أخرى، وما أن شرعت قوات الغزاة في مغادرة قرية الهري، حتى انهالت عليها من الخلف القوات الزيانية، تاركة في صفوفها خسائر جسيمة في الأرواح والعتاد قدرت بـ33 قتيلا من الضباط، وسقط 700 قتيل من الجنود و200 جريح من بينهم 5 ضباط، وتمكنت من محاصرة القوات الدخيلة ومهاجمتها وزرع الرعب في صفوفها. حاول ليوطي تحويل هذه المنطقة إلى خراب ودمار والقضاء عليها، لكن اعتقاده تبخر مع صمود الزيانيين في وجه القوات الاستعمارية. لقد شكلت معركة الهري تحديا حقيقيا للغزو الأجنبي، وتصديا قويا للمخطط التوسعي الذي ابتغته قوات الاحتلال للسيطرة على الأطلس المتوسط.
بعد الانهزام الذي مني به الفرنسيون، انتقل موحى وحمو إلى منطقة تاوجكالت لتعزيز قواته، قصد مواصلة هجوماته على الفرنسيين، إلا أنه في معركة أخرى بتاوجكالت ضد الجنرال بوميرو، استشهد القائد البطل موحى وحمو الزياني في ساحة الشرف حاملا سلاحه، يوم 27 مارس 1921، بمكان المعركة، ودفن بتاملاكت قرب تاوجكالت».
لماذا نُسيت أهم وأول محطة في تاريخ مقاومة الاستعمار؟
غالبا ما نسمع عن استنكار لعدم إحاطة ذكرى معارك ضد الاستعمار بما يستلزم من الاحتفاء. إذ إن معركة أنوال التاريخية، على سبيل المثال، والتي كبد فيها محمد عبد الكريم الخطابي إسبانيا خسائر فادحة، واعتبرتها الصحف الإسبانية وقتها وصمة عار كبيرة، ما زالت ذكراها إلى اليوم موضوع حساسية بالنسبة إلى صحافيين إسبان.
والدليل أن مجرد تخصيص طابع بريدي لذكرى المعركة، أو صدور دراسة بشأنها، يستنفر بعض الأقلام لكي تعبر عن عدم رضاها عن إثارة الموضوع.
أما معركة «الهري» المنسية، فلم تنل نصيبها لا من الضوء ولا حتى من النقاش. نُسيت وكأنها لم تكن، رغم أن قبيلة زيان التي كانت وراءها من خلال شخصية «موحى وحمو الزياني»، لعبت دورا كبيرا في تاريخ صناعة المقاومة بجبال الأطلس.
أحد الضباط الفرنسيين الذين شاركوا في معركة الهري وشهد على الهزيمة النكراء التي تعرضت لها فرنسا، هو «ج. جاك لو بلون»، وكان وقتها ضابط صف شاب في وحدة المقدم «لابيردو».
كان العسكري «ج. جاك لو بلون» مرافقا للضباط الكبار الفرنسيين، الذين كانوا يسهرون على تطبيق مخططات الجنرالات في القيادة العامة.
وكان من بين مهامه التوقيع على عدد من القرارات العسكرية وإحالتها على المكلفين بتطبيقها، كما أنه أشرف على توثيق بعض التقارير على الميدان، لتأكيد تكبد المغاربة للخسائر، وهكذا كان يصوغ تقاريره بعد التجول في الركام وإحصاء القتلى، وقد حُكي عنه أنه كان يحمل مسدسا صغيرا، للإجهاز على المقاتلين الذين يجدهم أمامه في وضعية الاحتضار، بعد إصابتهم في أماكن تعرضهم للنزيف البطيء. وقد رُوي، حسب التاريخ الشفهي لمنطقة الزيانيين، أن هذا الملحق العسكري كان وراء وفاة مئات المقاتلين في أشهر قليلة، لأنه كان يُجهز عليهم بمسدسه بعد كل مداهمة عسكرية، ولا يتحرك من خيمته العسكرية إلا بعد انتهاء المواجهات، للإشراف على التقارير التي يحررها الجنود لجمع المعطيات حول نتائج المعارك، التي حُسمت أغلبها لصالح فرنسا.. للأسف.
أما محليا، فمن بين ما يُحكى، من خلال الرواية الشفهية لعدد من المواطنين المغاربة الذين عاصروا تلك المعارك، ووثقوها بالحكي الشفهي قبل وفاتهم، بإشراف أساتذة جامعيين ومهتمين بتاريخ منطقة الأطلس.. (من بين ما يُحكى)، أن أحد الجنرالات الفرنسيين ممن كانوا مكلفين بتمشيط الجنوب الشرقي للمغرب سنتي 1913 و1914، أحرق عددا من القرى بكاملها، لمحاصرة المقاتلين في الجبال، والذين كانوا يحملون بنادق محلية الصنع ضد الجيش الفرنسي الذي كان معززا بطراز حديث، حسب معايير ذلك الوقت، من المدافع التي تنسف القرى على بعد مئات الأمتار. ولم يتوقف الأمر عند القصف، بل تجاوزه إلى إحراق المحاصيل الزراعية والمنازل الطينية التي كانت تعتمد على القش في تسقيف أسطحها، وهو ما جعلها هدفا سهلا للنيران.
عندما جرى دم الفرنسيين أنهارا قرب خنيفرة
في الوقت الذي توجد فيه معلومات كافية جدا عن شخصيات أخرى واجهت فرنسا وإسبانيا، مثل محمد عبد الكريم الخطابي، يلاحظ أن وثائق ومراسلات الجيش الفرنسي بخصوص موحى وحمو الزياني لم تهتم بالشكل الكافي بتفاصيل عنه، ولا توفر ما يكفي من معطيات تليق بحجم رجل قاد أول وأشرس معركة ضد فرنسا. إذ باستثناء مرجع عنوانه «الهري»، كناية عن المعركة، للباحث الفرنسي «جون بيشون» الذي يعتبر دراسة عن «المغرب مع بداية الحرب العالمية»، فإن فرنسا لا توفر أي دراسات وافية بشأن ما وقع في 13 نونبر 1914، ولا عن مهندس الحدث الذي جعل فرنسا تعيد حساباتها وتُبطئ من سرعة عملياتها في المغرب.
«الهري» تفاصيل المواجهة الأعنف بين قبائل خنيفرة و«لابيردو»
كان 13 نونبر 1914 يُصادف يوم جمعة، وكان معروفا أيضا أن قبائل زيان كانوا شديدي التدين. هل تم اختيار يوم الجمعة، بكل الرمزية الدينية التي يمثلها، بالضبط لكي يكون موعدا لمعركة الهري؟ أم أن تطور الأحداث وتربص قوات موحى وحمو الزياني بوحدة المُقدَّم لابيردو، جعل رحى المعركة تدور هناك ليصنع موحى وحمو الزياني واحدة من أقوى محطات التاريخ وأكثرها ضراوة في مواجهة فرنسا.
إذ إن موقعة الهري تعتبر حتى بالنسبة إلى باحثين فرنسيين، أول معركة تُهزم فيها فرنسا في شمال إفريقيا كلها. بل كانت تلك أول مرة يختبر فيها الجيش الفرنسي مواجهة حقيقية ومدروسة ضد المغاربة.
إذ إن المعارك التي وقعت قبل 13 نونبر 1914 كانت لها أهميتها بطبيعة الحال، لكنها لم تكن بنفس قوة معركة «الهري»، ولم تُلحق بفرنسا هزيمة مماثلة في تاريخها.
«الهري» كانت أكبر من معركة، بل كانت نقطة تحول في سياسة الجيش الفرنسي ومخططات الإقامة العامة. إذ إن قبائل زيان أجبرت فرنسا على تأخير إكمال المخطط الذي تلى معاهدة الحماية، وأربك كل الحسابات التي توقعت السيطرة على المغرب كليا، وأصبحت الإقامة العامة حائرة «حرفيا» في الطريقة التي يجب أن تدبر بها الأمور بعد معركة الهري التاريخية.
عبد الرزاق السنوسي، أحد الباحثين المغاربة القلائل الذين نبشوا في تفاصيل موقعة الهري وكواليسها المنسية، وقد سبق له أن نشر مقالا دراسيا في الموضوع سنة 2010، بالتزامن مع ذكرى معركة «الهري»، أي في 13 نونبر. جاء في هذا المقال:
«وبعد معارك في مواقع متفرقة حول مدينة خنيفرة مع المقاومة الزيانية، احتل الغزاة مدينة خنيفرة بقيادة الجنرال هنريس في 12 يونيو 1914، كان شهرَا يونيو ويوليوز من سنة 1914 قد كلفا المقاومة المغربية الكثير من الأرواح والجرحى. لقد صعدت قوات حمو الزياني إلى الجبال المجاورة، ومنها كان ينظم حملات مباغتة على مراكز العدو. كانت له خطة عسكرية أنهت القوات الاستعمارية واستنزفتها، وقد استمرت مقاومة موحى والمقاومين من قبائل زيان إلى سنة 1921. حيث يعترف الجنرال غيوم بالهزيمة في كتابه «البربر المغاربة وتهدئة الأطلس المتوسط»، وبجسامة الخسائر التي تكبدتها القوات الفرنسية في معركة الهري، بقيادة المناضل الوطني الغيور موحا أوحمو الزياني، الذي ألحق بالمحتل هزيمة نكراء سجلها تاريخ الكفاح الوطني، والمقاومة المسلحة بالأطلس المتوسط عموما، وتاريخ قبائل زيان على الخصوص. ففي يوم 12 نونبر 1914 انعقد اجتماع لقادة جميع الوحدات واطلعوا على الخطة الهجومية، وكانت الفاجعة كبيرة بالنسبة إلى الزيانيين، أي قبائل زيان وأسفنيرن وأيت إسحاق….
لقد انطلقت القوات الاستعمارية في أربع مجموعات تعدادها 1300 جندي وضابط، صباح يوم 13 نونبر 1914، اتجاه الهري، مقر إقامة القائد المجاهد الزياني والمجاهدين على الضفة الشرقية لنهر وادي شبوكة، احتدمت المواجهات بعد وصول بقية فرق العدو، كما تعززت قوات المجاهدين الزيانيين بالتحاق قبائل أخرى، وما أن شرعت قوات الغزاة في مغادرة قرية الهري، حتى انهالت عليها من الخلف القوات الزيانية، تاركة في صفوفها خسائر جسيمة في الأرواح والعتاد قدرت بـ33 قتيلا من الضباط، وسقط 700 قتيل من الجنود و200 جريح من بينهم 5 ضباط، وتمكنت من محاصرة القوات الدخيلة ومهاجمتها وزرع الرعب في صفوفها. حاول ليوطي تحويل هذه المنطقة إلى خراب ودمار والقضاء عليها، لكن اعتقاده تبخر مع صمود الزيانيين في وجه القوات الاستعمارية. لقد شكلت معركة الهري تحديا حقيقيا للغزو الأجنبي، وتصديا قويا للمخطط التوسعي الذي ابتغته قوات الاحتلال للسيطرة على الأطلس المتوسط. بعد الانهزام الذي مني به الفرنسيون، انتقل موحى وحمو إلى منطقة تاوجكالت لتعزيز قواته، قصد مواصلة هجوماته على الفرنسيين، إلا أنه في معركة أخرى بتاوجكالت ضد الجنرال بوميرو، استشهد القائد البطل موحى وحمو الزياني في ساحة الشرف حاملا سلاحه، يوم 27 مارس 1921، بمكان المعركة، ودفن بتاملاكت قرب تاوجكالت».
لماذا نُسيت أهم وأول محطة في تاريخ مقاومة الاستعمار؟
غالبا ما نسمع عن استنكار لعدم إحاطة ذكرى معارك ضد الاستعمار بما يستلزم من الاحتفاء. إذ إن معركة أنوال التاريخية، على سبيل المثال، والتي كبد فيها محمد عبد الكريم الخطابي إسبانيا خسائر فادحة، واعتبرتها الصحف الإسبانية وقتها وصمة عار كبيرة، ما زالت ذكراها إلى اليوم موضوع حساسية بالنسبة إلى صحافيين إسبان. والدليل أن مجرد تخصيص طابع بريدي لذكرى المعركة، أو صدور دراسة بشأنها، يستنفر بعض الأقلام لكي تعبر عن عدم رضاها عن إثارة الموضوع.
أما معركة «الهري» المنسية، فلم تنل نصيبها لا من الضوء ولا حتى من النقاش. نُسيت وكأنها لم تكن، رغم أن قبيلة زيان التي كانت وراءها من خلال شخصية «موحى وحمو الزياني»، لعبت دورا كبيرا في تاريخ صناعة المقاومة بجبال الأطلس.
أحد الضباط الفرنسيين الذين شاركوا في معركة الهري وشهد على الهزيمة النكراء التي تعرضت لها فرنسا، هو «ج. جاك لو بلون»، وكان وقتها ضابط صف شاب في وحدة المقدم «لابيردو».
كان العسكري «ج. جاك لو بلون» مرافقا للضباط الكبار الفرنسيين، الذين كانوا يسهرون على تطبيق مخططات الجنرالات في القيادة العامة. وكان من بين مهامه التوقيع على عدد من القرارات العسكرية وإحالتها على المكلفين بتطبيقها، كما أنه أشرف على توثيق بعض التقارير على الميدان، لتأكيد تكبد المغاربة للخسائر، وهكذا كان يصوغ تقاريره بعد التجول في الركام وإحصاء القتلى، وقد حُكي عنه أنه كان يحمل مسدسا صغيرا، للإجهاز على المقاتلين الذين يجدهم أمامه في وضعية الاحتضار، بعد إصابتهم في أماكن تعرضهم للنزيف البطيء. وقد رُوي، حسب التاريخ الشفهي لمنطقة الزيانيين، أن هذا الملحق العسكري كان وراء وفاة مئات المقاتلين في أشهر قليلة، لأنه كان يُجهز عليهم بمسدسه بعد كل مداهمة عسكرية، ولا يتحرك من خيمته العسكرية إلا بعد انتهاء المواجهات، للإشراف على التقارير التي يحررها الجنود لجمع المعطيات حول نتائج المعارك، التي حُسمت أغلبها لصالح فرنسا.. للأسف.
أما محليا، فمن بين ما يُحكى، من خلال الرواية الشفهية لعدد من المواطنين المغاربة الذين عاصروا تلك المعارك، ووثقوها بالحكي الشفهي قبل وفاتهم، بإشراف أساتذة جامعيين ومهتمين بتاريخ منطقة الأطلس.. (من بين ما يُحكى)، أن أحد الجنرالات الفرنسيين ممن كانوا مكلفين بتمشيط الجنوب الشرقي للمغرب سنتي 1913 و1914، أحرق عددا من القرى بكاملها، لمحاصرة المقاتلين في الجبال، والذين كانوا يحملون بنادق محلية الصنع ضد الجيش الفرنسي الذي كان معززا بطراز حديث، حسب معايير ذلك الوقت، من المدافع التي تنسف القرى على بعد مئات الأمتار. ولم يتوقف الأمر عند القصف، بل تجاوزه إلى إحراق المحاصيل الزراعية والمنازل الطينية التي كانت تعتمد على القش في تسقيف أسطحها، وهو ما جعلها هدفا سهلا للنيران.
يونس جنوحي