الهدر السياحي
سجلت عائدات السياحة، في متم شهر يناير 2024، تراجعا بـ10,5 في المائة، مقارنة بالشهر ذاته من سنة 2023، وذلك رغم ارتفاع عدد السياح الذين توافدوا على المغرب في الشهر الأول من العام الجاري. وعلى رغم تحقق بعض الانتعاش على مستوى منسوب السائحين، فإنه في الوقت نفسه تم تسجيل تراجع في مستوى المداخيل، وهو ما يطرح الكثير من التحديات حول سياحتنا التي ما زالت تنتعش من خلال الإشعاع الرياضي بالدرجة الأولى، وليس بسبب رؤية استراتيجية ناجعة.
نسبة النمو المسجلة في بداية هذه السنة مخيبة للآمال، حيث أتت معاكسة للانتعاشة الواعدة التي شهدها قطاع السياحة انطلاقة سنة 2023، والتخوف هنا أن يمتد هذا المنحى السلبي على مستوى العائدات إلى باقي شهور السنة، هنا سنكون أمام كارثة حقيقية، خصوصا وأن بلدنا يراهن على السياحة، لتحقيق التوازنات الماكرو- اقتصادية والتخفيف من نسبة البطالة.. لا ننس أن القطاع السياحي، وفق أرقام المندوبية السامية للتخطيط، كان من بين القطاعات التي عجزت أخيرا عن خلق مناصب التشغيل.
إن عودة سياحتنا لتسجيل الأرقام المرجعية المسجلة سنة 2019، لا يمكن تحقيقها في الأفق المنظور، إلا إذا تم الاعتماد على استراتيجية قوية من أجل التسويق للسياحة المغربية داخل السوق المعروفة بسياح نوعيين على مستوى النفقات وأيام الإقامة وغيرهما، من أمثال السياح الصينيين واليابانيين والألمان والأمريكيين والبريطانيين.
والحقيقة أن النهج البطيء الذي يدبر به قطاع السياحة لا يمكن أن يجعل منه قاطرة اقتصادية وتنموية، وإذا لم تحدث ثورات عميقة على مستوى ذهنيات المسؤولين عن القطاع والمستثمرين فيه، فستظل سياحتنا في مكانها المعهود مكتفية بمداخيل لا تتجاوز 70 مليار درهم، مع العلم أن المغرب بإمكانياته التاريخية وبنيته السياحية وموقعه الاستراتيجي بإمكانه بقليل من المجهود تحقيق عائدات تتجاوز سقف 100 مليار درهم سنويا.
ينبغي أن نتذكر أن تقرير مشروع نجاعة الأداء لعام 2018، وفق برنامج العقد الوطني لرؤية 2020، كان يراهن على الرفع من العائدات السياحية من أجل بلوغ 140 مليار درهم خلال عام 2020، والرفع من نسبة الناتج المحلي الإجمالي السياحي في الناتج المحلي الإجمالي الوطني بنقطتين، من أجل الوصول إلى ما يقارب 150 مليار درهم، لكن لا شيء من ذلك تحقق، ولا نريد أن نستمر في هذا الهدر السياحي إلى ما لا نهاية.