التحايل على القانون بزواج «الفاتحة» لتزويج 80 ألف طفلة قاصر
محمد وائل حربول
قدم الحسن الداكي، الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، ورئيس النيابة العامة، أول أمس الاثنين بمراكش، الدراسة التشخيصية حول زواج القاصر التي أعدتها النيابة العامة طيلة خمس سنوات، وذلك في لقاء تواصلي بالمدينة الحمراء، يندرج في إطار تفعيل مقتضيات إعلان مراكش 2020 للقضاء على العنف ضد النساء، والذي تم توقيعه بين يدي الأميرة لالة مريم، حيث أكد على أن اللقاء يندرج بالأساس ضمن استراتيجية رئاسة النيابة العامة لتعزيز حماية الطفل، والذي تنظمه بدعم من منظمة الأمم المتحدة للطفولة اليونسيف بالمغرب.
وأبرز رئيس النيابة العامة أن المجهودات المبذولة انعكست بشكل إيجابي على عمل النيابات العامة بمختلف محاكم المملكة، حيث بلغت الملتمسات الرامية إلى رفض تزويج القاصر برسم سنة 2019 ما نسبته 58,4 في المائة من مجموع الملتمسات المقدمة في الموضوع. في حين شكلت هذه النسبة 36 في المائة سنة 2018، كما ارتفعت هذه النسبة سنة 2020 إلى 65 في المائة من مجموع الملتمسات. وقد انعكس هذا المنحى الإيجابي كذلك على مستوى الإحصاء العام لأذونات زواج القاصر، والذي عرف انخفاضا مطردا برسم السنوات 2018 و2019 و2020 مقارنة بسنة 2017.
وحسب الداكي، فقد أوضحت الدراسة التي قامت بها النيابة العامة بخصوص زواج القاصر أن أغلبهن وذويهن هم في الغالب من الطبقة الهشة والفقيرة، والتي يمارس أفرادها مهنا بسيطة، وإن كانت تقي من الحاجة، فإنها لا تسمح في العادة بالادخار، حيث يصبح الزواج أداة تمويل للأسرة، سواء من خلال الهدايا العينية التي تتلقاها، بعد الزواج، بشكل مناسباتي بنسبة 54.73 في المائة، أو المساعدات الدورية أو غير الدورية التي تحصل عليها بنسبة 38.69 في المائة.
وبينت الدراسة التشخيصية ذاتها أن أغلب القاصرات المتزوجات ينشأن في أوضاع اجتماعية صعبة، قد تتسم أحيانا بالقساوة، حيث إن أغلب أولئك القاصرات يتحدرن من أسر أحادية القطب، ينعدم فيها الحوار والتشارك في تسيير الأسرة، حيث يتولى شخص واحد تسييرها بمفرده، يكون هو الأب بالدرجة الأولى بنسبة وصلت إلى 74.30 في المائة، أو ذكر آخر من العائلة بنسبة تجاوزت 6.93 في المائة.
وأظهرت المعطيات الإحصائية عن وجود عدد مهم من الأحكام القاضية بثبوت الزوجية، ذات الصلة بطرف قاصر، حيث شكلت هذه النسبة من الأحكام ما مجموعه 15 في المائة، مقارنة مع عدد الأذونات الصادرة بزواج القاصر عن المحاكم نفسها المعنية بالدراسة، وداخل مدة الخمس سنوات التي شملتها الإحصائيات، حيث سجل ما مجموعه 13018 حكما بثبوت الزوجية، أحد طرفيه أو كلاهما قاصر، في حين سجل عدد الأذونات بزواج القاصر ما مجموعه 80599 إذنا.
وخلصت الدراسة التشخيصية للنيابة العامة التي عملت عليها لخمس سنوات ما بين 2015 و2019، إلى أن من أهم العوامل المتسببة في هذه المعضلة يأتي أولا العامل الثقافي، حيث يشكل الدافع الأساسي للقبول بهذا الزواج من طرف القاصرات المعنيات به أنفسهن. إذ أوصت بتركيز الجهود على بعض النقاط المهمة في هذا الشأن، أبرزها وضع خطط وبرامج لمواجهة القبول الثقافي والاجتماعي الواسع النطاق لممارسة تزويج القاصرين، عبر إذكاء الوعي الجماعي بالأضرار المترتبة عن هذا الزواج، وآثاره النفسية والصحية على القاصر، فضلا عن تكلفته الاجتماعية.
وأوصت في هذا الشأن كذلك، على مستوى السياسات العامة، الذي جاء بالمقام الثاني، بنهج سياسة شاملة ومنسقة من أجل التصدي بفعالية لممارسة تزويج القاصرين، تنبني على إشراك كافة الجهات الحكومية والمؤسسات الرسمية ذات الصلة، سواء على الصعيدين الوطني أو المحلي، وإعطاء الأولوية في تنزيل ورش النموذج التنموي إلى إلغاء الفوارق المجالية، ودعم التنمية الجهوية، وتسريع برنامج الحماية الاجتماعية، وتعزيز فرص التمكين الاقتصادي للمرأة والفتاة عموما، وتبني استراتيجية تقوم على الاهتمام بصحة الأم والأطفال، وتقريب الخدمات الصحية وتعميمها.
وعلى مستوى الإجراءات القضائية، أوصت هذه الدراسة المهمة لرئاسة النيابة العامة، بضرورة اعتماد حد أدنى توافقي لسن زواج القاصر، في انتظار التدخل التشريعي، اعتبارا للطابع الاستثنائي لهذا الزواج، واعتماد الخبرة الطبية والبحث الاجتماعي بواسطة المساعدة الاجتماعية، قبل البت في طلب الإذن بتزويج القاصر، ناهيك عن إنجاز البحث الاجتماعي مع القاصر، والخاطب الذي يريد الارتباط بها، مع الحرص على الاستماع إلى القاصر بواسطة المساعدة الاجتماعية على انفراد؛ وتحديد الاختصاص المكاني لقاضي الأسرة المكلف بطلبات الزواج.
وعلى المستوى التشريعي، كان من ضمن أهم ما أوصت به رئاسة النيابة العامة، جعل الاختصاص للبت في زواج القاصر للقضاء الجماعي، تعزيزا للضمانات التي يجب أن تحيط به، وتحديد الحد الأدنى لسن زواج القاصر؛ وتوقف البت في طلب الإذن بتزويج القاصر على تقرير تعده لجنة طبية مختصة في الموضوع يتم تحديد أعضائها ومهامها بشكل دقيق؛ والنص على إلزامية اعتماد خبرة طبية ونفسية وفق نموذج خاص معد مسبقا، مع جعلها خاضعة لمراقبة لجنة.