عمرو الشوبكي
عكس المؤتمر العشرون للحزب الشيوعي الصيني جانبا من الخبرة السياسية الصينية، التي حملت كثيرا من أوجه النجاح، وساهمت في إنقاذ جزء كبير من البشرية من براثن الفقر والجوع والمرض، ووضعتهم في مصاف الدول المتقدمة.
والحقيقة أن هذا النموذج حمل جوانب نجاح واضحة، ولكنه في الوقت نفسه غابت عنه الديمقراطية والتعددية السياسية، وحتى صراع الأفكار من داخل النظام الاشتراكي «على الطريقة الصينية» (كما يصف الحزب الشيوعي الصيني تجربته)، حيث تراجعت بدرجة واضحة لصالح توجه أمين عام الحزب والرئيس الحالي «شي جين بينغ»، الذي أصبحت أفكاره منصوصا عليها في برنامج الحزب، كما تم تعديل الدستور لكي يصبح من حقه أن يترشح مدى الحياة وليس لمدتين، كما وُضع تعديل آخر بالنص على أن تايوان جزء من الوطن الأم، أي الصين.
والحقيقة أن النموذج الصيني هو في الحصيلة النهائية أحد نماذج النجاح في العالم، ولكنه حقق نجاحه بثمن باهظ من المستحيل تكراره في عالم اليوم، فلا يمكن استنساخ تجربة الحزب الشيوعي الصيني الممتدة منذ قرن في بلدان تعيش في عالم الألفية الثالثة، فهذا قاد ثورة شعبية عنيفة ووصل إلى حكم الصين عام 1949.
وهنا سيصبح السؤال المطروح على أي مجتمع ونظام سياسي يريد أن يكون قويا ويتشبه بالصين: هل عرف مسار الصين ودفع الثمن الذي دفعته؟ وهل امتلك ولو جانبا من المشروع السياسي الذي تبناه الحزب الشيوعي الصيني على مدار 73 عاما قضاها في السلطة، وعرف تحولات ومراجعات غيرت توجهاته، دون أن تؤدي إلى انهياره أو تفككه، كما جرى في بلدان أخرى حكمتها أحزاب شيوعية؟
بعض من يربط النجاح الصيني بالشمولية، يتصور أن الطريق لتكرار هذا النموذج هو أن تأخذ الأداء الشمولي الحالي دون مساره ورحلة الدم والتضحيات التي عرفها، وهو لن يحدث، فالصين نجحت في الإنجاز الاقتصادي والنهضة الصناعية ومحاربة الفقر عبر ثورة وحزب عقائدي قوي، وليس فقط أو أساسا نتيجة نظام شمولي.
صحيح أن الخبرة الصينية كرست نظام الحزب الواحد بكل ما يحمله من قواعد صارمة لا تقوم على العشوائية ولا يديرها هواة، إنما هي دائما ما تعرف قواعد إيديولوجية أو سياسية أو قانونية تنظمها، وتحمل فكرة عقائدية لها بريق سياسي قادر على دمج غالبية الراغبين في العمل السياسي داخل نظام الحزب الواحد بغير الأدوات الأمنية، وإقصاء القلة المعارضة بأدوات خشنة أو ناعمة.
لقد حقق النموذج الصيني نجاحات اقتصادية كبيرة، فعلى سبيل المثال حقق معدل نمو اقتصادي في الفترة من 2016 إلى 2019 دائما أعلى من 6 في المائة. صحيح أن الصين تعرضت لأول مرة لانكماش اقتصادي، بسبب جائحة كورونا، حيث وصل معدل النمو في العام الماضي إلى 4.9 في المائة، إلا أنها ما زالت القوة الثانية عالميا اقتصاديا وعسكريا.