شوف تشوف

الرأي

النبوات والرسالات في عالم جيوسياسي

فعلا إنه سؤال مبرر، فهل أنبياء الشرق الأوسط هم الوحيدون؟ وهل ثمة أنبياء بعثوا في أمكنة أخرى؟ فقد أرسلت لي بنت أختي مروة من الأردن تسأل؟ لماذا نزلت الأديان في منطقة الشرق الأوسط؟ لم أسمع قط برسول بعث في إيطاليا أو أمريكا أو الصين؟
في الواقع هذا السؤال ليس الوحيد، فقد سألني في مونتريال (كندا) صديق عن بعثة الأنبياء لماذا لم تكن بينهم امرأة؟ فلم نسمع في القرآن والحديث عن نبية بعثت من بنات حواء؟ ثم ما الفرق بين النبي والرسول؟ وماذا نعرف عن الأنبياء العبرانيين؟ وماذا عن كونفوشيوس من الصين أين نضعه؟ وماذا عن بوذا وزرادشت الذين كتب عنهم (ياسبرز) الفيلسوف الوجودي الألماني، حين تحدث عن العصر المحوري في القرن السادس قبل الميلاد، حيث ظهرت نبوات مهمة، وانبثق عصر فلسفي في اليونان، فظهر بوذا وزرادشت وكونفوشيوس وفلاسفة اليونان والأنبياء العبرانيين.
ثم ماذا نفهم من الآية (وإن من أمة إلا خلا فيها نذير) بمعنى أنه ليس ثمة أمة مرت على وجه الأرض، إلا وبعث فيها نبي ينذر ويحذر.
في القرآن الجواب واضح أنه هناك من الرسل من لم يأت ذكره في محكم التنزيل (منهم من لم نقصص عليك). إذا تصورنا أن يونس بعث إلى مائة ألف أو يزيدون كمقياس متوسط للأمم، ومعلوماتنا من الديموغرافيا أن كمية البشر الموجودة حاليا على وجه الأرض تفوق سبعة مليارات من الأنام، مقابل أكثر من مائة وستة مليارات مروا على وجه البسيطة، فالمحصلة الرياضية تقول أن عدد الأنبياء يقفز إلى أكثر من مليون، ولكن لماذا لم نعرف سوى 25 رسولا من القرآن؟ (الرسول نبي ولكن النبي ليس برسول فالرسول هو من يحمل مهمة تبليغ القوم طبيعة الرسالة وطلب الاتباع).
والجواب أنهم عينة من التاريخ. في هذا يحضرني مثل من مدينتي القامشلي حيث ولدت، كانت الحنطة تباع بالأكياس (يسمونها الشوال بالجيم المعطشة) ولمعرفة نوعها يؤخذ قمع (محقن) فيضرب به الكيس؛ فتستخرج عينة؛ فيعرف نوع القمح الموجود داخل الكيس.
ربما فعل القرآن نفس الشيء حين أعطانا عينة من الرسل، (بعينة من بطن التاريخ) وهم بدورهم طبقات، فمنهم أولي العزم من الرسل كما وصى القرآن نبيه (ص) (فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل).
ثم لنتصور أن القرآن يحدث الأعراب عن حضارة الصين ورسالة كونفوسشيوس وتعاليم بوذا الثمانية؟ نحن طبعا نعرف أن رسول الرحمة شرح علاقته ببقية النبوات على نحو مختصر ومهذب ومحترم، أن ثمة بيت مكتمل البناء، ولكن ثمة ثغرة تحتاج إلى لبنة (طوبة) كي يكتمل البناء، فهذه مهمته: التكامل التاريخي.
إذن بموجب هذا التفسير فإن كمية الأنبياء والرسل كانت هائلة في التاريخ، ونتوقع أن يكون من بينهم نساء؛ فالقرآن حين أراد ضرب المثل للمؤمنين انتخب زوجة فرعون من القصر الفرعوني ومريم التي أحصنت فرجها.
تحت هذا المفهوم الإنساني يمكن الاستئناس بسورة التين والزيتون حين يشير القرآن إلى أربعة أنواع من الأمكنة تذكر برسالات أربع . نحن نعرف أن غصن الزيتون هو رمز السلام الذي حمله عيسى في دخوله القدس، كما نعرف أن الألواح تلقاها موسى في طور سيناء، كما نعرف أن البلد الأمين هي الكعبة التي بعث منها رسول الرحمة (ص)، ولكن تبقى كلمة التين فلا نعرف مكانها في السياق فأي نبي ورسول عنت؟
لنتأمل السورة القصيرة من جديد: (والتين والزيتون وطور سنين وهذا البلد الأمين). غصن الزيتون وجبل الطور والكعبة فمن أين جاء التين وإلى ماذا يرمز؟
إن فهم هذا يحتاج إلى دراسة متأنية للبوذية، حيث أشعت النرفانا تحت شجرة التين على قلب بوذا بالطرق الثمانية للحكمة: الفكرة السديدة والنية الصالحة والقول السليم والحكمة الصائبة والعمل الصالح ونقاوة القلب ومساعدة الملهوف والوصول إلى الطهارة الروحية. هنا يستقيم فهم السورة بين أربع رسالات.
بقي أن نذكر أن محاكمة سقراط وإعدامه كانت بسبب تهم، يأتي فيها إفساد عقول الشبيبة والدعوة للتوحيد. فهل كان سقراط نبيا؟ حسب مقاييس القرآن أن طرق الجنة لا نهائية فمن عمل صالحا وآمن بالله واليوم الآخر فقد اهتدى، يدخل فيهم النصارى والذين هادوا والصابئين وأمم أخرى، ولا يستبعد أن يكون سقراط أحدهم. كما أن رسل السلام في العصر الحديث من غاندي ومارتن لوثر كينج وعبد الغفور خان وجودت سعيد وبيرتا فون سوتنر ومالكولم إكس كل هؤلاء وأمثالهم كثيرون يدخلون في هذا السوق الغني بالرحمة.
مع هذا فرحلة الأنبياء صعبة جدا خلاف المتصور، نقرأ في الحديث أن بعض الأنبياء يبعث ومعه الرجل والرجلين، ويأتي النبي وليس معه أحد؟
نحن نتذكر من رحلة موسى كيف خذله القوم على أبواب الأرض المقدسة فصاح رب لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين. كما نقرأ أن رجلين فقط قالا للخائفين: ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فأنتم الغالبون.
أخيرا ما معنى توقف النبوات في التاريخ؟ الجواب إن النبوة كما يقول محمد إقبال تبلغ ذروتها في إلغاء النبوة؛ فلا يبقى العقل معتمدا على الأحكام الجاهزة كما لا يحتاج إلى المعجزة. هي في عمقها إعلان عن مولد العقل الاستدلالي. ومعه ينتهي عصر الامتيازات فلا مكان لوراثة ملك أو سلطة كاهن وعراف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى