شوف تشوف

الرأيالرئيسية

الناشرون.. أرجُلَهم!

 

مقالات ذات صلة

 

 

يونس جنوحي

 

هناك إنزال كثيف في «العناوين» سبق افتتاح الدورة الحالية من المعرض الدولي للكتاب والنشر.

ورغم الأرقام المخيفة عن تراجع القراءة -بل قُل انعدامها تقريبا- في المغرب، إلا أن حدث تنظيم المعرض الدولي للكتاب في الرباط يحظى باهتمام مختلف الشرائح في المغرب وخارجه، وهناك من اعتادوا سنويا أن يشدوا الرحال من جماعات وأقاليم بعيدة لكي يطالعوا العناوين ويقتنوا منها ما يهمهم.

كلما نُظمت دورة من دورات المعرض الدولي للكتاب، إلا وعاد السؤال بخصوص أزمة القراءة في المغرب.

هناك من يربطها بأزمة تربية وتثقيف، وهناك من يتجاوز ذلك إلى أزمة أسعار الورق وارتفاع أسعار الكتاب التي تحول بين القراء المفترضين وناشري الكُتب.

لكن يتضح في الأخير أن المشكل مركب فعلا، وأن ثمة أيضا أزمة جودة في مضمون ما يُنشر سنويا، ليس في المغرب فقط وإنما في العالم العربي عموما.

نظرة خاطفة على لائحة جوائز الكتاب في العالم العربي، تكشف فورا أن المغاربة يحتلون، عن جدارة، منصات التتويج في أكثر من بلد عربي. فسواء تعلق الأمر بالإنتاج الأدبي أو الأكاديمي، تجد الجامعيين المغاربة يسيطرون على الدراسات النقدية والعلوم الإنسانية، والترجمة والبحث العلمي، وتحقيق المخطوطات وحتى في صنف الرواية الأدبية.

لكن المشكل يكمن في مبيعات هذه الكتب في المغرب. فإذا استثنينا بعض العناوين التي تُسجل إقبالا بفضل تراكم تجارب أصحابها، فإن عناوين أخرى عُرضت في المغرب ولم يحقق وجودها في الرفوف أي سجال فكري أو حتى التفاتة في الإعلام المحلي، إلى أن سمعنا عن حصدها لجائزة ابن بطوطة أو جائزة اتحاد كُتاب المغرب، أو حتى جوائز مرموقة في الإمارات العربية أو قطر أو جائزة الملك فيصل في المملكة العربية السعودية، وهي جوائز تتجاوز قيمة فروعها مجتمعة عتبة المليون دولار بكثير. وهناك أيضا كُتاب مغاربة يشتغلون في الجامعة المغربية، بالكاد يعرفهم طلبتهم، حصدوا جائزتين عربيتين في السنة نفسها وبعملين مُختلفين! وهذا كله يعكس غزارة إنتاج المثقف المغربي وانشغاله، لكنه، في الأخير، يتلقى التقدير عندما يُغادر مطار محمد الخامس وليس عندما يصل إليه.

إن الأمر لا يتعلق، في النهاية، بأزمة عناوين أو مُبدعين بقدر ما يتعلق أحيانا بأزمة «ناشرين»، يعملون بحماس منقطع النظير على قتل روح الإبداع في الكُتاب ويضعون عقودا احتكارية معقدة أمامهم ويغتالون المشاريع. حتى أنهم يستحقون فعلا أن يُسموا «ناشرين أرجلهم» في فضاء المعارض.

عندما نُظمت أولى دورات المعرض الدولي للكتاب في الدار البيضاء تقريبا سنة 1952، إذ لا يوجد أرشيف دقيق عن أولى دورات هذا الحدث الأدبي، كان سكان المنطقة القريبة من المحيط خارج حدود المدينة القديمة يلقبون مكان إقامة المعرض بـ«لافوار».

وعندما انطلقت أولى دورات المعرض، وصار معروفا أن الأمر يتعلق بحدث يجتمع فيه ناشرو الكتب الفرنسيون لعرض إصدارات فرنسية على الرعايا الفرنسيين في المغرب، انبرى الوطنيون لمهاجمة الحدث وإفشاله بأي طريقة.

ولم يجد الوطنيون طريقة أفضل من تجييش الأطفال الذين كانوا يلعبون في «كاريان سنطرال»، لكي يشنوا بهم حربا على الناشرين والقراء الفرنسيين جميعا، ونقلوهم إلى مكان إقامة المعرض وشرعوا «يرجمون» المكان بالحجارة.

هذه الواقعة يتذكرها جيدا قدماء المقاومة وجيش التحرير الذين كانت هذه المناسبة بداية علاقة بعضهم بالخلايا السرية. المختار الزنفري، وهو واحد من هؤلاء الذين جُندوا لمهاجمة المعرض، استعاد الواقعة عندما استفسرتُه هاتفيا إن كان سيزور المعرض هذه السنة. والزنفري، للإشارة، من بين الذين بصموا على توحيد صفوف جيش التحرير المغربي في المنطقة الخليفية بتطوان سنة 1953 عندما بدأ المقاومون الهاربون من الشرطة الفرنسية، في الدار البيضاء على وجه الخصوص، يحتمون بمنطقة تطوان ووثّق بنفسه لهذه الفترة.

مجايلو هذا المقاوم الكبير يتذكرون كيف كانت عملية نشر كتاب باللغة العربية وعرضه في المعرض الدولي للكتاب في نُسخه الأولى، حدثا لا تسمح به الإدارة الفرنسية. وها هم اليوم قد مدّ الله في أعمارهم لكي يتجولوا بين أروقة المعرض ويحتاروا معنا بين العناوين، ساحبين وراءهم سنين ثقيلة تتخللها ذكريات طوتها السنون في غفلة منهم!

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى