انتهى عبد اللطيف الميراوي من إزاحة كل رؤساء الجامعات الذين نظموا تمردا على قراراته منذ الأسابيع الأولى لتعيينه على رأس قطاع التعليم العالي.
قرارات إزاحة بعض هؤلاء المسؤولين الجامعيين رافقها الكثير من ردود الأفعال، منها طريقة إعفاء رئيس جامعة فاس، واللغط الذي رافقها، وأيضا طريقة إعفاء رئيسي جامعة القنيطرة بالرغم من النجاح الكبير الذي حققه في خلق قطب جامعي توج بحصول هذه الجامعة على مرتبة دولية محترمة في تصنيف تم الإعلان عنه قبل أيام. طريقة الميراوي في تشكيل لجان الانتقاء ودراسة ملفات المترشحين، وكذا الإشراف على المقابلات الشفوية معهم تطرح تساؤلات كثيرة، تربوية وإدارية ونقابية، عن عزم الوزير فرض أسماء مقربة منه. وهو الأمر الذي لم ينفه الوزير مبدئيا عندما برر حملة الإعفاءات بكونه في حاجة لمسؤولين يقاسمونه وجهات النظر نفسها.
صراعات شخصية بدأت من جامعة مراكش
لم تكن علاقة عبد اللطيف الميراوي بزملائه رؤساء الجامعات جيدة أبدا، إبان تولي لحسن الداودي وخالد الصمدي لقطاع التعليم العالي. هذا ما أكدته مصادر مطلعة جدا على دهاليز مقر حسان. غياب الود بين الوزير الحالي ورؤسائه السابقين دفعته إلى الاحتماء بحزب الأصالة والمعاصرة مدعيا بأن خلافاته الشخصية معهم إنما هي خلافات «إيديولوجية»، لذلك لم يتردد، من خلال موقعه ك«خبير» في المجلس الأعلى للتربية والتكوين، في إظهار مواقفه مستغلا شبكة علاقات تم نسجها مع جامعيين «خبراء» يشتغلون في المجلس نفسه، ممنيا النفس بأن يتم تعيينه وزيرا للقطاع إبان حكومة سعد الدين العثماني الأولى.
خيبة أمل الميراوي كانت كبيرة عقب الهزيمة الكبيرة التي تعرض لها حزبه، وذهاب حقيبة التعليم العالي والتربية الوطنية معا إلى الوزير السابق سعيد أمزازي. هذه الخيبة، تفيد المصادر نفسها، لم يكتمها الميراوي عندما انتهت مهامه على رأس جامعة القاضي عياض، حيث طلب ترخيصا، وقعه الوزير السابق سعيد أمزازي يسمح له بإدارة مدرسة عليا فرنسية كانت تجمعه معها «علاقة بحث علمي» حسب ما يؤكده الميراوي. وكثيرون اعتبروا هذا القرار بمثابة منفى اختياري اتخذ طابعا «علميا».
بالموازاة مع الاستعدادات التي شهدها حزب الأصالة والمعاصرة قبيل الانتخابات التشريعية الماضية، ظل الميراوي حريصا على الإبقاء على قنوات الاتصال باستمرار مع قادة الحزب، وعلى رأسهم عبد اللطيف وهبي، وأيضا الحفاظ على وتيرة نشاطه داخل المجلس الأعلى. وتوج هذا النشاط بصدور تقرير تناول موضوع الكليات متعددة التخصصات اعتبر بمثابة القشة التي قصمت ظهر علاقته بالوزير السابق سعيد أمزازي.
ففي الوقت الذي اعتبر أمزازي الأنوية الجامعية الإقليمية باكورة إصلاحه لقطاع التعليم العالي وأيضا تبنيه لنظام الباشلر، فإن التقرير تضمن نقدا صريحا لهذا الاختيار، وسيعتمد عليه الميراوي لاحقا في تبرير إلغاء كل مشاريع سعيد أمزازي.
تعيينه على رأس التعليم العالي كان حلما طال انتظاره تؤكد مصادر موثوقة في الوزارة، حيث سيدشن عمله، منذ توديعه البروتوكولي لأمزازي في حفل تسليم السلط، بعقد اجتماع مغلق مع المسؤولين الكبار في الوزارة وحرص على أن يفهمهم أنهم على موعد مع مرحلة جديدة عنوانها «الكفاءة»، في رسالة واضحة على عدم كفاءة الموجودين في القاعة حينها. ولم تمر إلا أيام لتبدأ عملية إعفاءات ستمتد لتشمل كل المديرين المركزيين، فضلا عن تدشينه حملة إعفاءات وصفت بـ«الانتقامية» ضد كل المحسوبين على أمزازي، لتشمل حتى الآن 22 مسؤولا جامعيا كبيرا، كلهم تم تعيينهم بمراسيم تحمل توقيعات رئيسي الحكومة السابقين عبد الإله بنكيران وسعد الدين العثماني.
لجان مثيرة للجدل
إعفاء رؤساء الجامعات ومنعهم من التصرف في أي أمر يهم المؤسسات التي قاموا بتدبيرها لسنوات، دفع الميراوي إلى إعلان باب الترشح لتعويضهم. ولعل ما حدث في تشكيل لجنة اختيار رئيس جامعة ابن طفيل بالقنيطرة وتأجيل تشكيل هذه اللجنة لشهر إضافي مجرد عينة من مشكلات حدثت في تشكيل لجان لاختيار رؤساء جامعات آخرين.
في سابقة من نوعها، أقدم حكيم عبد المومن، رئيس الجمعية المغربية لصناعة وتسويق السيارات، على الاستقالة من لجنة انتقاء رئيس جامعة ابن طفيل بالقنيطرة التي عين أعضاءها الوزير نفسه، ليتحاشى بذلك أن يحشر اسمه في ما بات يعرف بفضائح تعيينات الميراوي لأصدقائه ومقربيه، ليتم الاتصال بالمرشحين هاتفيا وإخبارهم بتأجيل المباراة ليوم 20 نونبر الجاري، بسبب هذا الانسحاب المفاجئ.
وتأتي استقالة عبد المومن من لجنة القنيطرة، تفيد مصادر من داخل وزارة التعليم العالي، بعدما تم الترويج لأسماء أصدقاء الوزير القادمين من فرنسا، بالإضافة إلى اسم «مرشح الوزير» المفضل، الذي أراد تنصيبه، فور تعيينه وزيراً، كاتباً عاماً للوزارة، لولا اعتراض رئيس الحكومة على طلب الإعفاء الذي تقدم به الوزير في حق الكاتب العام الحالي، بعدما تفطن أخنوش للأسباب غير الموضوعية التي دفعته للموافقة على طلبات الإعفاء العديدة التي رفعها الميراوي إلى هذا الأخير في حق المسؤولين المركزيين والجامعيين.
المرشح المعني عيَّنه الميراوي في شهر أبريل الماضي عميداً للكلية متعددة التخصصات بالعرائش، وهو شقيق كاتبة عامة لجامعة القاضي عياض التي ترأسها الميراوي لثماني سنوات. هذه الكاتبة العامة السابقة سيتم تعيينها لاحقا أمينة عامة للمجلس الأعلى للتربية والتكوين، وهذا المرشح هو الأقوى حظا لتولي رئاسة جامعة ابن طفيل، الأمر الذي يثير مخاوف الأطقم الإدارية والتربوية والعلمية في هذه الجامعة، خوفا من تعرض الإنجازات التي حققتها هذه الجامعة في السنوات الأخيرة لنكسة، بعدما تحولت إلى قطب جامعي رائد على المستوى الوطني، حيث تحولت إلى مدينة جامعية بمواصفات دولية.