الموت والحب عند الريسوني وبنكيران
قال نابوليون بونابارت: «في السياسة العبث ليس بحاجز أو عقبة»، وما نشاهده اليوم في سوق التحالفات بين العدالة والتنمية وبقية الأحزاب، ليس سوى تجسيد حقيقي لمقولة الإمبراطور الفرنسي، بعدما أصبحت أختام الحزب الحاكم تجوب الشوارع والمقاهي والفيلات في الجيوب، وتختم بها تحالفات مكتوبة في الليل مع من كان بنكيران وصحبه، حتى آخر يوم من الحملة الانتخابية، يصفونهم برموز الفساد والتحكم، في مشهد يشابه طاولات «البوكير» في «الكازينوهات»، حيث الكل يحتوي الكل بدون مبادئ ولا برامج ولا رؤى لأن المقعد والأغلبية في نهاية المطاف هي «الربحة».
لم نسمع عبد الإله بنكيران، وهو رئيس للحكومة أشرف على لعبة الانتخابات الأخيرة، يتكلم عن مواسم «تشناق» المرشحين في البوادي والقرى والمدن، هناك حيث اختفى الفائزون وأغلقوا هواتفهم ووضعوا في إقامات جبرية مع موائد «المشوي»، ينتظرون ساعة الحسم، في مشهد لم يتكرر منذ عهد الثمانينات مع المعطي بوعبيد والاتحاد الدستوري. ولم نسمع السي عبد الإله أيضا يتكلم عن بورصة التصويت في المجالس الإقليمية ومجالس العمالات، حيث يتزايد المرشحون للرئاسة على شراء أصوات المنتخبين التي وصلت إلى أرقام خيالية، بعدما سيصبح رئيس المجلس الإقليمي لأول مرة في تاريخ المغرب آمرا بالصرف يقرر في صرف ميزانيات مالية ضخمة لوحده بدون توقيع العامل أو الوالي.
ما رأيناه هو بنكيران يلتحف «الدراعية» ويخرج من بيته يتلقى التهاني من أتباعه كما لو أن الحزب الحاكم خرج من حفل ختان، مع أن الختان الحقيقي هو ما تعرضت له الديمقراطية في المغرب، من تسفيه وتشويه وضرب لمبادئها وأسسها كما هي متعارف عليها عند الشعوب والأمم، بعد أن حول حزب العدالة والتنمية استثناء التحالف مع الخصوم والمفسدين وتجار الانتخابات والأعيان إلى قاعدة، وظهر جليا أن الحزب يقاتل من أجل المقعد ومن أجل الأغلبية، وليس من أجل شعاراته ولا شعبيته أو برنامجه.. وأكثر من ذلك رأينا الحزب الحاكم حتى في المجالس التي لم يحصل فيها على الرتبة الأولى، يقود انقلابات بيضاء ويغري أحزاب مؤخرة الترتيب لنيل الرئاسة بعدما يتكلف إخوان بنكيران بحشد الأغلبيات بسياسة «فرق تسد» والعودة إلى التسيير من نافذ «التكوليس».
المغرب تفصله سنوات ضوئية عن الديمقراطية الحقيقية، وحتى حزب العدالة والتنمية الذي يبني إيديولوجيته على المعقول، ظهر بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات كحزب «حرايفي» يطبق لصالحه وبالحرف كل أساليب الديمقراطية المشوهة كما وضع أسسها البصري والأحزاب الإدارية، وبعدما كان الجميع ينتظر قفزة إلى الأمام بفضل الدستور الجديد والتحولات الدولية والإقليمية وتطور المجتمع، لاحظنا أن الحزب الأول في المغرب لازال هو حزب الممتنعين والعازفين والأصوات الملغاة، والذي حصد الأغلبية بملايين الأصوات لوحده. ومع ذلك لا أحد يعترف بهذا المعطى الذي ليس سوى ناقوس خطر وتصويت علني كبير على فقدان المغاربة الثقة في اللعبة السياسية وفي رجالاتها. لذلك فطبيعي جدا أن يحقق حزب العدالة والتنمية انتصارات انتخابية في المدن، لأن الحزب يعمل بأدوات الجماعة الدينية والدعوية، وبمنطق الأتباع والتابعين وبثنائية الخير والشر في مجتمع محافظ في العمق ومحاصر ببؤر الفقر والهشاشة والأمية وبأعلى معدلات الإحباط.
بالأمس سمعنا الفقيه أحمد الريسوني يقول لعبد الإله بنكيران وصحبه إن «العتمة بدأت تزحف على أعمالهم وأقوالهم وبدأ الدفاع عن العتمة محل الشفافية»، وأنهى الفقيه كلمته بقوله: «ومن الحب ما قتل»، إنه كلام الرجل الكاريزمي الأول في الجناح الدعوي للحزب الحاكم الذي يمثل رأس ماله الانتخابي، كتب معزيا في موت المشروع الإسلامي للإخوان بسبب «الخواض» والحب في المقعد وامتيازات السلطة. الفقيه الريسوني عالم في فقه المقاصد يبدو أنه قد فهم أخيرا القصد السياسي والانتخابي عند بنكيران، لذلك فقد زين الفقيه كلامه حتى لا يقول له: «باش قتلتي باش تموت».