شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

الموتى وحدهم.. هم الناجون

 

 

يونس جنوحي

كلمح البصر، مرت سنة على زلزال الحوز وتارودانت. حتى الذين قضوها في الخيام لم يستوعبوا السرعة القصوى التي ركضت بها الأيام لتطوي الأسابيع والأشهر. الترقب نفسه الذي ساد العام الماضي، يُلقي الآن بظله الثقيل على الخيام والأنقاض. ماذا لو هطل المطر سيولا فوق القرى المنكوبة؟ كيف سيكون حال الناجين الذين لا يزالون في الخيام والبراريك العشوائية المنصوبة في المنحدرات وتحت ظل ما تبقى من الأشجار؟

جولة بسيطة في إقليم تارودانت، بين منعرجات المناطق المتضررة، أو ما تبقى منها على الأصح، لن تكفي لملامسة هول الكارثة، ما لم يتحدث الزائر إلى السكان ويجلس إليهم.

إحدى السيدات، اعتادت أن تتجول بين قرى جبل «تيزي نتاست» المنكوبة، واستغرق منها الأمر عاما كاملا لكي تستوعب الدرس. أشارت بأصبع مرتعش نحو مقبرة جماعية صغيرة دُفن فيها الضحايا على عجل يوم العاشر من شتنبر 2023، وقالت بأمازيغية جريحة: «هؤلاء هم الناجون الحقيقيون من الزلزال، ونحن هم الضحايا».

مضى عام كامل اعتقد فيه الناجون أنهم فعلا كذلك، لكن أغلبهم اكتشفوا متأخرين أن معاناتهم مع تداعيات الزلزال المدمر لم تبدأ بعدُ. لقد أصيب الأهالي بأزمات نفسية، ومنهم من أصيب باضطراب عقلي، لأن العقل لم يستوعب هول الكارثة ولا شدة الثواني الثلاثين التي أزهقت مئات الأرواح، وأنهت وجود دواوير عمرت قرونا طويلة.

يقول بعض أبناء القرى المنكوبة، مازحين طبعا، إن الأغذية التي تبرع بها الناس لهم العام الماضي، خصوصا المعلبات، لا يزال أغلبها مخزنا، بعد أن فقد سنة كاملة من صلاحيته، بينما أطنان من علب الحليب بقيت إلى أن قرر الشبان إتلافها بأنفسهم. ومن المفارقات الساخرة أن هؤلاء الشبان المتطوعين من أبناء الدواوير، عندما كانوا يتفقدون خيام العائلات للتحقق من صلاحية المواد الغذائية المخزنة لدى بعضهم، اكتشفوا أن زوجين طاعنين في السن، يحتفظان في أقصى الخيمة بأكياس من حفاظات الأطفال، اضطروا إلى قبولها من المتبرعين قبل عام. كان المشهد كاريكاتيريا فعلا: «المتبرعون كانوا ينحدرون من الشمال، ولم يكونوا يتحدثون الشلحة. وتعبنا من محاولة إفهامهم أننا لا نحتاج حفاظات الأطفال، وفي الأخير قبلناها منهم ووضعناها هناك. أحيانا تصلح وسائد وأحيانا أخرى نفكر في التخلص منها، لكن نخاف أن يظهر يوما من سوف يحتاجها».

أخبار سيول ورزازات وطاطا التي كبدت المنطقة خسائر فادحة، حلت على رؤوس الأهالي في ليلة الثامن من شتنبر الجاري، صاعقة. خوف كبير من أن تجرف السيول المرتقبة ما تبقى من الناجين، خصوصا وأن جغرافية أغلب القرى المتضررة لا تبعد كثيرا عن وادي سوس، ووديان فرعية أخرى ليست هذه المرة الأولى التي يشكل فيضانها تهديدا حقيقيا على حياة السكان.

لدى سكان الجنوب مناعة كبيرة تُجاه الوديان التي تأخذ معها القناطر التي يبنيها المهندسون القادمون من الرباط، حتى أنهم سوف يتعجبون لو أن قنطرة صمدت في وجه السيول. العادة أن تُجرف قناطر الوزارة، وأن يعد المرشحون بتشييد أخرى في المستقبل. هناك قناطر جُرفت وبُنيت من جديد لأكثر من عشر مرات على مدى السنوات الثلاثين الأخيرة -على الأقل-، وهو واقع يكشف مدى العبث الذي تتربص فيه قرى إقليم تارودانت، باستثناء بعض المشاريع التي أنشئت بعد سنة 2012، و ما زالت صامدة إلى اليوم.

في سنة 2010، عرف الجنوب تساقطات تاريخية غيرت ملامح مئات القرى والدواوير والتجمعات السكانية. وتسبب فيضان وادي سوس في انقطاع تدفق شبكة الماء الصالح للشرب في قلب مدينة أكادير، وعاشت القرى في إقليم تارودانت وجهة سوس عموما عزلة حقيقية، بعد أن جرفت الوديان أغلب القناطر.

هناك تخوف من أن يتكرر سيناريو مماثل، مع فارق أن تداعيات الزلزال الأخير ما زالت تخيم على السماء، وتُقلق راحة أصحاب الأرض.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى