دعا المشاركون في المناظرة الوطنية الثانية للجهوية المتقدمة، التي اختتمت أشغالها، أول أمس السبت بطنجة، إلى تسريع تنزيل ميثاق اللاتمركز الإداري من أجل توطيد الحكامة الترابية المندمجة. وأوصى المشاركون في هذه المناظرة، التي نظمت تحت الرعاية الملكية السامية تحت شعار «الجهوية المتقدمة بين تحديات اليوم والغد»، بتسريع استكمال تنزيل خارطة الطريق المتعلقة بالإطار التوجيهي الخاص بتفعيل ممارسة الجهة لاختصاصاتها، سيما الاختصاصات المتعلقة بالنقل، والاستثمار، والماء، لتطوير آليات التتبع والتقييم، بغية تحقيق نجاعة أداء الفاعلين الترابيين، مشددين على الحاجة إلى تقوية قدرات الجهات، لرفع تحديات ورهانات التنمية الترابية المندمجة والمستدامة.
النعمان اليعلاوي
تضمنت التوصيات التي تلتها امباركة بوعيدة، رئيسة جمعية جهات المغرب، التأكيد على أهمية المضي قدما في تفعيل الآليات التشاركية للحوار والتشاور، لتيسير مساهمة المواطنات والمواطنين والجمعيات في إعداد برامج التنمية وتتبعها، طبقا للكيفيات المحددة في النظام الداخلي للجهة، مع ضرورة تفعيل اختصاصاتها للنهوض بالجاذبية الترابية، كما سجلت التوصيات في المقابل، الحاجة إلى الارتقاء بجاذبية المجالات الترابية، بهدف تحقيق تنمية مستدامة ومندمجة، مؤكدة في هذا الاتجاه ضرورة التقائية السياسات الحكومية مع المشاريع المندرجة في برامج التنمية الجهوية، وتعزيز التخطيط الموحد، مع الحرص على الالتقائية في البرمجة المالية بين البرامج الوطنية والجهوية، أخذا بعين الاعتبار خصوصية كل جهة.
كما أوصى المشاركون في المناظرة بتعزيز دور الجهات في دعم الاستثمار المنتج، ووضع آليات للتنسيق مع القطاع الخاص والمستثمرين، وتفعيل تبسيط المساطر الإدارية المتعلقة بالاستثمار على المستوى الوطني والمحلي، داعين إلى الرفع من الموارد المالية المحولة للجهات، ومواكبتها، بمعية الجماعات الترابية، في الاستعمال الناجع لرافعة الاقتراض كآلية لتمويل برامجها الاستثمارية، وأشادوا بالتنظيم المحكم لفعاليات هذه المناظرة، منوهين بالتفاعل البناء الذي طبع كافة المداخلات، مما أسهم في إثراء النقاش الذي هم مختلف المحاور التي جرى بحثها.
مرحلة التفعيل والتنزيل
قالت امباركة بوعيدة، رئيسة جمعية جهات المغرب، ورئيسة جهة كلميم واد نون، إن المرحلة الحالية من الجهوية المتقدمة يجب أن تكون مرحلة التفعيل لكسب رهان النهوض بالتنمية المجالية، مبرزة أن مؤسسة الجهة يتعين أن تضطلع بمهامها، وتدبير شؤونها، وممارسة اختصاصاتها على النحو الأمثل، كما أن الجهة تعتبر فضاء حيويا ومصدرا مهما لإحداث الثروة المادية وتحقيق التنمية المندمجة، مستشهدة في هذا الصدد بمخرجات النموذج التنموي الجديد، الذي جعل اللاتمركز الإداري، وتعزيز ورش الجهوية المتقدمة، لبنة أساسية للاستجابة للانتظارات وكسب مختلف التحديات.
وأشارت، في هذا الصدد، إلى أن ورش الجهوية المتقدمة يأتي تتويجا لمسار متدرج، وتكريسا للديمقراطية المحلية، باعتباره استراتيجية حاسمة في تطوير البناء المؤسساتي، والنهوض بالتنمية المجالية، منوهة بمخرجات النسخة الأولى من المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة التي رصدت مكتسبات مهمة في هذا المجال.
وتابعت بوعيدة أن المستويات الترابية الثلاثة (الجماعات، والأقاليم، والجهات)، ارتقت بالجهة كفضاء ترابي ملائم لضمان التقائية السياسات العمومية، داعية إلى كسب رهان تكوين الموارد البشرية، والنخب المحلية، بما يسهم في تعزيز جاذبية الاستثمارات، ومواجهة الأزمات، من قبيل الإجهاد المائي، والتنقل والنقل المستدامين، والانتقال الرقمي.
التضامن بين الجهات أولوية
قال عادل بركات، رئيس مجلس جهة بني ملال خنيفرة، إن أهم التوصيات التي تم رفعها خلال المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة هو تنزيل وإخراج ميثاق اللاتمركز الإداري، وهي نقطة مهمة في إطار تنزيل الجهوية المتقدمة، حيث إن هذا الميثاق، حسب بركات، سيمكن الجهات من ممارسة اختصاصاتها ويضمن أيضا التضامن بين الجهات، مبينا أن الرسالة الملكية الموجهة إلى المناظرة الوطنية، كانت واضحة في هذا الجانب.
وأضاف بركات أن تحديد اختصاصات الجهة يشكل تحديا وجب إنجازه في طريق تفعيل الجهوية المتقدمة، مع الانفتاح على الديمقراطية التشاركية، كما أن توفير الموارد المالية هو أيضا من أساسيات النقاط التي وجب الاشتغال عليها، في إطار منح الجهات الإمكانيات المالية، من أجل تنفيذ المشاريع الكبرى التي هي مقبلة عليها، وعلى رأسها الاختصاصات الذاتية المتعلقة بالاستثمار الجهوي، موضحا أن «الجهات لا تتوفر حاليا على اختصاصات في هذا الجانب، حيث إنها مجرد عضو في لجان، وليس لديها اختصاصات حقيقية في مجال الاستثمار»، مؤكدا أن «الجهات هي أولى بتحديد حاجياتها، والجهة ممثلة من خلال السلطة الولائية التي تمثل الحكومة، والسلطة المنتخبة الممثلة في مجلس الجهة، وهي التي يجب أن تعمل على التنسيق والالتقائية في ما بينها».
الجهوية المتقدمة مفتاح للتنمية
أكد عمر مورو، رئيس مجلس جهة طنجة- تطوان- الحسيمة، أن التنمية المنشودة من الجهوية المتقدمة تقاس أساسا بمدى تنفيذ المخططات والبرامج والمشاريع على أرض الواقع، وقال مورو إن «التنمية المنتظرة من الجهوية المتقدمة، تقاس أساسا، بمدى تحقيق وتنفيذ المخططات والبرامج والمشاريع، التي يتم اقتراحها، والتداول بشأنها، في مجالس الجهات، على أرض الواقع، ليحس بها المواطن، من خلال تحسين ظروفه اليومية، المتمثلة في التنقل، والتعلم، والصحة، والعمل وغير ذلك».
وأبرز أن مخرجات هذه المناظرة، يعول عليها كثيرا لإيجاد الحلول الواقعية والعملية والبراغماتية، لجعل مجالس الجهات أجهزة فعالة، وشريكا أساسيا للدوائر الحكومية، في تنزيل البرامج القطاعية، على المستوى الترابي، في احترام تام للخصوصيات الطبيعية، والمجالية والاجتماعية والثقافية، لمختلف جهات المملكة.
وأكد المتحدث بالصدد ذاته أن تقييم هذا الورش الكبير للجهوية المتقدمة، في ولايته الانتدابية الثانية، يتعين أن يفضي إلى سبل تمكن الجهات من تثمين المكتسبات ورفع التحديات، حتى تقوم بدورها الدستوري والتنموي كاملا، للمضي قدما في مسلسل ديمقراطية القرب، والديمقراطية التشاركية، كخيارات استراتيجية ما فتئ صاحب الجلالة الملك محمد السادس يوصي بالعمل من أجلها.
رفع تمويل الجهات
دعا رشيد العبدي، رئيس مجلس جهة الرباط- سلا- القنيطرة، إلى رفع سقف التمويل المقدم من الدولة إلى الجهات، وأن يتم فتح آفاق أخرى تمكن الجهات من البحث عن مصادر تمويل، مبينا أن الجهات «تبحث في الوقت الراهن عن مصادر تمويل وإنجاح شراكات مع الأطراف المعنية، وإقناع المؤسسات الممولة بإعطاء قروض بتسهيلات»، مشيرا إلى أن برنامج التنمية الجهوية لجهة الرباط سلا القنيطرة (2022-2027) يتكون من خمسة محاور استراتيجية تنقسم إلى 23 برنامجا و56 مشروعا، سيتطلب تنفيذها استثمارا إجماليا يقدر بـ28,9 مليار درهم، لافتا إلى أن مساهمة مجلس الجهة تبلغ 8 مليارات درهم من إجمالي المبلغ المرصود.
وشدد العبدي على أن «الرسالة الملكية الموجهة إلى المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة، أكدت على أهمية الاشتغال على تنزيل الجهوية المتقدمة، وأن المرحلة الحالية هي مرحلة المرور للسرعة القصوى في التنزيل في إطار التنسيق مع الجهات المعنية»، مؤكدا أن «الاشتغال على البرامج الكبرى يتطلب تنسيقا والتقائية بين جميع القطاعات المعنية»، حسب العبدي.
وأضاف العبدي أن الجهات المغربية، رغم تعاونها وتكاملها، تتنافس في ما بينها لتقديم حلول مبتكرة ومخططات تنموية على المديين المتوسط والطويل. وأشار إلى أن جهة الرباط سلا القنيطرة، التي تمثل 16 في المائة من الناتج الداخلي الخام، وتحتل المرتبة الثالثة في الميزان التجاري (12 في المائة)، تتميز بدينامية اقتصادية واجتماعية ملحوظة. كما تعتبر الجهة الثانية ديموغرافيا، مما يجعلها خزانا مهما لليد العاملة.
الجهوية المتقدمة.. ورش تدريجي
اعتبر عبد اللطيف معزوز، رئيس مجلس جهة الدار البيضاء- سطات، أن «ورش الجهوية المتقدمة هو ورش تدرجي كما هو الشأن في جميع الدول التي خاضت هذه التجربة من قبل، غير أنه يجب التركيز اليوم على التحديات السبعة والمحاور الثلاثة التي أشارت إليها الرسالة الملكية الموجهة لأشغال المناظرة»، مشددا على أن «اللاتمركز الإداري أساسي من أجل تنزيل الجهوية المتقدمة، دون إغفال أهمية تحديد ونقل الاختصاصات للجهات، بالإضافة إلى ورش التمويل الذي سيمكن الجهات من تنزيل العديد من المشاريع، التي سيكون لها وقع بنيوي على الجهات والتنمية الجهوية».
وشدد معزوز على أن «الجهات مطالبة بابتكار تمويلات ذاتية، من أجل تعزيز التمويل والمالية الجهوية»، معتبرا أن «المرحلة السابقة كانت مرحلة تضمنت العديد من النقاط الإيجابية، وأيضا نقاطا وجب علاجها وتخطيها»، مشددا على أن «الجهات مطالبة بالتنافس على المشاريع التنموية وجذب الاستثمارات وتحقيق التنمية المنشودة»، معتبرا أن «الجهات اليوم هي متدخل أساسي في تعزيز جاذبية الاستثمار وتقوية استقطاب الجهة للصناعات والأوراش الكبرى»، موضحا أن «بلادنا اليوم مقبلة على تظاهرات عالمية، تتطلب تعزيز قطاعات أساسية، على رأسها ورش التنقل وفك العزلة عن العالم القروي».
نحو جهات أقرب للمواطنين
أكد عبد الواحد الأنصاري، رئيس مجلس جهة فاس مكناس، أن المناظرة الوطنية «هي فرصة في إطار تنزيل الجهوية المتقدمة، كما رسمها جلالة الملك وأراد لها دستور 2011»، معتبرا أن «تجربة تسع سنوات منذ 2015، أبانت عن العديد من النقائص التي يجب معالجتها، وأيضا نقاط قوة وجب تعزيزها»، حسب الأنصاري، مؤكدا أن «الإشكال الأكبر الذي يجب الانتباه إليه، هو الموارد البشرية المؤهلة لتنزيل هذا الورش»، مبينا أن «المناظرة انتهت إلى خلاصات من شأنها أن تُجَوِّدَ عمل الجهات وجعلها قريبة من المواطن والمواطن أقرب لها، حيث إنه يكون على اطلاع بعمل مجالس الجماعات، غير أنه حاليا بعيد عن الاطلاع بالعمل الجاد التي تقوم به الجهات».
من جانب آخر، شدد الأنصاري على ضرورة التعامل مع إشكالية العجز المائي الذي تعرفه مختلف جهات المملكة باعتباره «ظاهرة بنيوية»، وتعزيز التضامن بين الجهات التي تعرف وفرة في الموارد المائية مع تلك التي تعرف خصاصا، مستعرضا مختلف الإكراهات والتحديات المرتبطة بالاستغلال المفرط للمياه الجوفية، وتلوث الوديان الناجم عن الأنشطة الصناعية، واعتماد بعض الأنشطة الفلاحية المستهلكة للماء.
كما توقف الأنصاري عند البرامج والآليات المعتمدة من طرف جهة فاس مكناس الخاصة بتدبير الماء، والتي تهم على الخصوص تسريع إنجاز السدود، عبر دعم برنامج التزود بالماء الشروب ومياه السقي، مع التركيز على إنشاء سدود صغرى وبحيرات تلية، لتحسين الولوج إلى الماء، وإنجاز آبار وأثقاب استكشافية، لدعم توفير الماء الصالح للشرب في المناطق النائية.