شوف تشوف

الرأيالرئيسية

المغرب الذي يلده الزلزال

 

خالد فتحي

 

 

سنة 2004، فوجئ الغرب بالهند وهي ترفض عروضه لمساعدتها على مواجهة تداعيات تسونامي ضربها. كان ذلك صدمة لسياسييه لأنه شكل بالنسبة إليهم خروجا عن الصورة النمطية التي كانوا يضعون فيها الهند كدولة فقيرة تعاني التخلف والعجز، ولكنه كان في الآن نفسه إيذانا بدخول هذا البلد لنادي الكبار.

المشهد نفسه يتكرر مع المغرب الذي أعلن للعالم أنه قادر على أن يعتمد على نفسه في المواجهة الميدانية للزلزال، وأنه لن ينتقي إلا العروض التي تقدم له إضافة نوعية في عمليات البحث والتنقيب بين الأنقاض وذلك على الرغم من فداحة الفاجعة.

بعض المغرضين اعتبروا ذلك مغامرة بالوضع الصحي للضحايا، لكن المغرب، وبعيدا عن أي استهتار بمصلحة المنكوبين من أبنائه، كان له تقدير جيد للموقف رغم فجائية الكارثة وهولها.

كثيرون توقعوا أن انتماءنا لإفريقيا كاف كي يروا فينا دولة مرعوبة تهرول نحو المساعدات وفرق الإنقاذ الدولية، فبوغتوا بدولة متماسكة حافظت على رباطة جأشها في هذا الوقت العصيب، دولة تؤثر أن تركز على إنقاذ المكلومين من مواطنيها عوض أن تدخل متاهة استقبال المساعدات التي لم تكن الحاجة ماسة إليها في الحالة المغربية. بعض من هاته الدول انطلقت من نظرة أبوية متوهمة، والبعض الآخر من حالة إنكار للمغرب المتفوق الشاخص أمام ناظريها، فأرادت أن تمسك بتلابيبه لمنعه من النجاح حتى في تدبير أزمة إنسانية تستدعي التعاطف ونسيان الخلافات ولو مؤقتا.

لقد امتلك المغرب سرعة البديهة وفعل بصيرته النفاذة، ففهم جيدا أن إمكانياته الحالية تؤهله في هذه اللحظة التاريخية رغم دراميتها، كي يعلن عن أن الصورة التي رسمها لنفسه في السنوات الأخيرة لم تكن شعارا ولا كانت افتئاتا على مكانة دولية لا يستحقها، وإنما هي انعكاس ونتيجة منطقية لما راكمه من تقدم وصعود في العديد من المجالات.

لم يكن الزلزال إذن، رغم قوته وشساعة الرقعة التي استهدفها، بأكبر من قدراتنا، ولا أعتى من عزيمتنا وإرادتنا. إذ تأتي أوقات وأزمات على الأمة تتكشف لها فيها حقيقة ما وصلت من نجاحات وإنجازات، فينتبه لها فيها العالم.

إن المغرب الذي يسارع دائما إلى نجدة الدول الأخرى، والذي كان يضع كل مؤهلاته رهن إشارة أصدقائه الأفارقة وفي العالم، لم يكن له أن يضطرب ويتخلى عن إبائه وشموخه، أو أن يبين عن ضعف لا مبرر له، مادام أنه قادر على أن يحك جلده بظفره وعلى أن يتولى جميع أمره.

يؤشر هذا التفاعل الذي أبهر الكل مع ضائقة الزلزال، إذن، على انبثاق دولة صاعدة لها وزنها في المشهد الدولي، بل على عودة للمغرب إلى انتزاع المكانة التي كانت له دائما على مر التاريخ. فهذه الملحمة التي تعيشها المملكة من خلال التحام العرش بالشعب والتي تراقبها دول المعمورة، وهذا التجلي الرائع للقيم الإنسانية في أبهى الصور خلال عمليات الإنقاذ، والذي حول المغرب مثالا للتلاحم والتآزر والتضامن التي ترص عادة الشعوب العظيمة، وهذا الجيش العظيم الباسل المغوار المتفاني في خدمة الوطن الذي ينجز الآن مهمات مستحيلة، والذي أثبت أنه جيش قوي، مدرب، محنك يمكن التعويل عليه في كل الأزمات. وهذه الأطر الصحية المكافحة وهذه السلطات وكافة المتدخلين من شتى القطاعات الذين يواصلون جهود الإغاثة ليلا ونهارا، وهذا الشعب المتلاحم المعطاء، كل ذلك عناصر قوة، ودلائل على بزوغ دولة وازنة في محيطها الإقليمي الإفريقي العربي الإسلامي المتوسطي.

يتعجب العديدون من كفاية المغرب خلال كارثة الزلزال المدمر، لكن ما تفجر من أداء مبهر وجاهزية واضحة ليس إلا ترجمة لحقيقة الطاقات الكامنة بالمغرب.

ألمانيا زكت المقاربة المغربية، فهي نفسها تعترف بأنها عانت من عشوائية المساعدات إبان فيضانات داهمتها في 2021، أما دول صديقة أخرى فاستوعبت عزة النفس المغربية وعقلانيتها وطموحها المشروع، أما الشعب فشعر بالكثير من الاعتزاز والزهو بدولته التي لم تتخل عنه وملكيته المواطنة حتى النخاع، أما الضحايا الذين فقدوا بيوتهم، فشعروا بأن هناك بيتا أرحب يؤويهم هو الوطن. فكان ذلك بداية عزاء ومواساة لهم.

إنه، يا سادة، المغرب القوي الجديد الذي يولد من رحم المأساة والفاجعة، فلا عزاء للحاقدين والمتربصين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى