المغاربة كانوا يرون أنفسهم أسودا مقارنة مع التونسيين والجزائريين
يونس جنوحي
في ظل وجود هذا المزيج من المطالب، وفي أرض يُعتبر فيها ضبط النفس أمرا غير شائع، فإن السلوك المعتدل، كما هو الحال في المغرب الذي لم يشهد قتالا شديدا واحتلالا مباشرا للبلاد من قِبل العدو، ليس معروفا أيضا. إن استقلال ليبيا كسر القيود التي كانت غاية في الاعتدال، والتي كانت ربما موجودة في تونس أيضا. وقوبلت الاقتراحات الفرنسية للإصلاحات بمطالب تفوق تلك المقترحات بمراحل. شهد ربيع سنة 1952 سلسلة من أعمال الشغب والاعتقالات، وربما كانت النتيجة النهائية لكل هذا تعزيز مكانة القضية الوطنية. حاولت الدول الآسيوية والعربية طرح المسألة التونسية أمام مجلس الأمن، التابع للأمم المتحدة، ولكن لم يسمع بها أحد.
ومع ذلك، من الواضح جدا أن الأزمة تم إرجاؤها. في الواقع أعلن الزعماء الجدد لحزب الدستور عن إعداد نشط لما سُمي «المعركة الحاسمة والكفاح المسلح».
عندما يتعلق الموضوع بمثل هذه الأمور، فإن الكلمات تكون أسهل من الأفعال، لكن حدوث الإضراب الداخلي والعنيف يبقى ممكنا. الفرنسيون، الذين لديهم بالفعل مشاكل خطيرة أثقلت كاهلهم، قد يستسلمون لإغراء يقود إلى تقديم التنازلات، وإذا قدموا هذه التنازلات، فعلا، ينبغي أن تكون الشروط نفسها متاحة في الوقت ذاته في المغرب.
وجدتُ أن المغاربة يتابعون الوضع التونسي باهتمام، وعلى الرغم من أن التونسيين ينحدرون من أصول مشتركة مع المغاربة، إلا أن هؤلاء المغاربة يميلون إلى احتقارهم.
(هناك مقولة شائعة في المغرب تقول: التونسي امرأة والجزائري رجل، لكن المغربي أسد). ومن المؤكد ان المغربي، وإن كان أقل تقدما من الناحية السياسية، إلا أنه، بشكل عام، أكثر ذكاء، كما أن العمال المغاربة أكثر مردودية. إذا لم يحصل المغربي على معاملة متساوية على الأقل مع غيره، فإن الاستياء لن يكون مقتصرا فقط على أعضاء حزب الاستقلال.
رغم هذا كله، فإن الحركة الوطنية في تونس تختلف كثيرا عن النمط المغربي. إنها قوة منظمة تحظى بالدعم من جميع الطبقات، حتى لو كان سكان المُدن يُهيمنون على بقية الفئات الأخرى، خصوصا وأنهم يحظون بدعم خاص من النقابات العمالية المحلية التي تعتبر في تونس أكثر تقدما، بمراحل، عن أي تمثيلية نقابية أخرى في أي مكان في شمال إفريقيا. وهذا يُعطي أساسا صلبا لسريان روح الانضباط في صفوف حزب الدستور الجديد، وهو ما يفتقر إليه أي حزب سياسي آخر. علاوة على هذا كله، وبما أن جميع النقابات التونسية تقريبا تابعة للاتحاد الدولي الحر لنقابات العمال وليس للفدرالية الاشتراكية التي تبقى سائدة في مجال الشغل، فإن لديها جمهورا عالميا يمكنها مناشدته للحصول على الدعم.
ومن ناحية أخرى فإن تونس تبقى متقدمة أكثر، وذلك بالنظر لخبرتها الأطول بكثير، مقارنة مع الدول الأخرى الواقعة تحت السيطرة الفرنسية. والميزة الأكبر التي راكمتها تونس كانت في جانب الفرص التعليمية. فقد صار لديها المزيد من الرجال والتقنيين المحترفين الجاهزين للعمل. في الواقع إن اضطرار ليبيا المستقلة حديثا إلى استعارة الأطباء وغيرهم من المتخصصين، من تونس، يبقى مصدر فخر يشوبه نوع من المرارة. ويشكل الضعف المغربي في هذا الباب، المتعلق بالأطر، عائقا خطيرا أمام طموح المغاربة في الاستقلال التام.