شوف تشوف

الرئيسيةتعليمتقاريرمجتمع

«المشروع الشخصي للتلميذ».. وصفة بنموسى لحل مشاكل التوجيه المدرسي والمهني

انقسامات داخل الحكومتين السابقتين أقبرت مشروعا لمنح شهادات أكاديمية للبارعين في المهن

رغم مرور سبع سنوات على صدور الرؤية الاستراتيجية، وثلاث سنوات على مصادقة البرلمان على القانون الإطار، ماتزال تصورات الوزارة بخصوص التوجيه المدرسي والمهني والجامعي غامضة. ففي ماي 2016 ترأس رئيس الحكومة الأسبق، عبد الإله بنكيران، أول وآخر اجتماع للجنة الوطنية للإطار الوطني للإشهاد، وهي اللجنة التي عهد إليها وطنيا بإمكانية التصديق على كفايات التجربة المهنية لفائدة ذوي الخبرة المهنية وتمكينهم من فرص التعلم مدى الحياة، غير أن الانقسامات السياسية التي عرفتها الحكومة اللاحقة حالت دون إيجاد حل لمعضلة غياب الجسور بين القطاعات الثلاثة للتربية والتكوين.

 

غياب الجسور بين المدرسة والحياة

خصصت الرؤية الاستراتيجية حيزا هاما للتوجيه المدرسي والمهني والجامعي، في إطار ما أسمته نموذجا بيداغوجيا مندمجا، يشمل مجالات المناهج التربوية ولغات التدريس والتكوين المهني والامتحانات ثم الجامعة، غير أن تعدد القطاعات الوزارية والمؤسسات العمومية المتدخلة في مجال التوجيه حال دون ظهور نموذج واضح وواقعي لهذه المشكلة، فضلا عن الانقسامات السياسية التي عرفتها الحكومتان السابقتان والتي حالت دون إنجاح أشغال اللجنة  الوطنية للإطار الوطني للإشهاد، والذي كان سيسمح للمهنيين البارعين والممتلكين لمهارات محددة ومتفق عليها بالحصول على شهادات مدرسية وجامعية دون الحاجة لانتسابهم لمدارس أو جامعات.

حيث ماتزال المقاربات الإدارية الكمية في توجيه التلاميذ، أي في إطار ما يسميه أطر التدبير بالخريطة المدرسية، لينحصر دور الموجهين التربويين في دائرة ضيقة هي الإعلام. أي إحاطة التلاميذ بالإمكانات المدرسية أو المهنية أو الجامعية الموجودة أمامهم، دون أن يتعدوا هذه الدائرة لدوائر أخرى، تعد من المهام القوية لأطر التوجيه التربوي، وعلى رأسها مرافقة التلاميذ في بناء وترسيخ وتحقيق مشاريعهم الشخصية سواء كانت دراسية تكوينية أو مهنية حياتية.

فعلى أرض الواقع، ماتزال صورة إطار التوجيه نمطية، تتمثل في تعليق ملصقات خاصة بمدارس ومعاهد ومراكز تكوين، فيما يتم تكليف بعض الأطر بمهام إدارية بعيدة عن المهام المنوطة بهيئتهم. أما التلاميذ، وخاصة المتمدرسين في التعليم العمومي، فغالبا ما يتم اختيارهم للمسالك والشعب والمؤسسات بناء على عوامل قد لا تكون لها علاقة بمكتسباتهم ومهاراتهم ومشاريعهم الشخصية، بل عوامل قد تكون مجالية (غياب بعض المسالك في بعض الثانويات وخاصة في العالم القروي)، وقد تكون أسرية أو حتى شخصية (تأثير الأقران).

التوجيه في المغرب يتم وفق تراتبية تحددها نتائج التلاميذ دون أن تتمكن الهيئات التربوية أو الإدارية من التدخل. فالتلاميذ المتفوقون يتجهون دوما إلى المؤسسات ذات الاستقطاب المحدود، وغالبا ما لا يتم اختيار نوع التكوين، حيث تجد مثلا من تقدم لمباريات كليات الطب وفي الوقت نفسه كليات الهندسة وأيضا للأقسام التحضيرية، قبل أن يقرر في ما بعد ما سيتم اختياره. والاختيار قد لا يكون بالضرورة موافقا للرغبات، علما أن لكل اختيار من هذه الاختيارات الثلاثة خصوصية مهنية بل وحياتية أيضا.

الفئة الثانية تتكون من التلاميذ الذين يحصلون على شهادة الباكلوريا، وبعد فشلهم في اجتياز أي من المباريات يضطرون لاختيار مؤسسات تكوينية أقل مرتبة، ومنهم من يجد نفسه مضطرا لولوج الجامعات ذات الاستقطاب المفتوح. أما الفئة الثالثة فهي للتلاميذ الذين يفشلون في مسايرة مسارهم التعليمي العادي ويغادرون المدرسة دون شهادة ويضطرون لولوج مراكز التكوين المهني.

هذا ما يجري في أرض الواقع الآن، علما أن المشروع الملكي الخاص بالتكوين المهني يربط نجاحه بتغيير الصورة السلبية التي للتكوين المهني، خصوصا مع ظهور جيل جديد من مؤسسات التكوين تنضوي تحت مسمى «مدن المهن والكفاءات»، وهي التجربة التي قطعت أشواطا هامة على صعيد كل الجهات، غير أن نجاح تشغيلها يحتاج لإصلاح تربوي شامل يضع من أولوياته تغييرا شاملا لنظام التوجيه.

 

المشروع الشخصي للتلميذ

لحل هذه المعضلة، تعد وزارة التربية الوطنية تصورا يُعيد النظر في آليات التوجيه. ويرتكز هذا التصور على ضرورة مواكبة المتعلم بشكل شمولي وعلى مستوى مختلف الأبعاد طيلة هذا المسار بما يجعله قادرا على النجاح الأكاديمي، وتدبيره الذاتي لمساره الدراسي والتكويني في أفق تحقيق الاندماج الاجتماعي والمهني في إطار مشروع شخصي يعكس طموحاته المستقبلية، ويستند إلى ميوله وقدراته الفعلية.

ولهذا الغرض، سيتم إرساء أربعة أنواع من المواكبة داخل الوسط المدرسي، في إطار من التآزر وتكامل الأدوار بين المستشارين في التوجيه التربوي تخصصياً، وهيئة التدريس بيداغوجياً، وأطر الإدارة التربوية إدارياً والأسر اجتماعيا.

الأولى «مواكبة تخصصية»، أنيطت بالمستشارين في التوجيه التربوي، وتقوم على تقديم خدمات الإعلام والاستشارة والمواكبة النفسية الاجتماعية لفائدة المتعلمين طيلة مدة تمدرسهم بالتعليم الثانوي بسلكيه الإعدادي والتأهيلي.

ثانيا «مواكبة تربوية بيداغوجية» أسندت إلى هيئة التدريس، وتقوم على تنمية مجموعة من كفايات الاختيار لدى المتعلمين على امتداد التعليم الثانوي بسلكيه الإعدادي والتأهيلي وبالاستناد إلى مكتسبات التعليم الابتدائي من خلال مكون المشروع الشخصي المدرج ضمن المنهاج الجديد لهذه المرحلة التعليمية.

ثالثا «المواكبة التقنية الإدارية» تحت مسؤولية أطر الإدارة التربوية، تتم بمؤازرة من أطر الدعم التربوي والإداري والاجتماعي، من خلال اشتغالهم على توفير بيئة مدرسية منفتحة ومواكبة للمشاريع الشخصية للمتعلمين، عبر جعل مكون التوجيه المدرسي والمهني في صلب اهتمامات مشاريع المؤسسات ومختلف برامج عملها، والعمل على إرساء أندية تربوية موجهة، وكذا من خلال ضبط مساطر التوجيه المدرسي والمهني ومساعدة المتعلمين على حسن الاستفادة منها.

رابعا «مواكبة أسرية» تقوم على إشراك الأسرة في تتبع تمدرس وتوجيه أبنائها بما يدعم جهود المؤسسات التعليمية في مواكبة المتعلمين لتحقيق أقصى درجات نجاحهم الأكاديمي واندماجهم الاجتماعي والمهني مستقبلا.

ولدعم هذا التصور الجديد، اتخذت الوزارة عددا من الإجراءات والتدابير منها إدماج مكون خاص بالمشروع الشخصي للمتعلم واستكشاف المهن ضمن مادة جديدة (أنشطة تنمية المهارات الحياتية) في إطار مراجعة وتنقيح منهاج سلك التعليم الابتدائي، ودخول هذا المكون حيز التطبيق ابتداء من الدخول المدرسي الحالي؛ وإطلاق منصة رقمية لتدبير مسطرة التوجيه المدرسي والمهني ابتداء من الموسم الدراسي 2020. 2021 عبر منظومة «مسار» لفائدة تلاميذ جميع المستويات الدراسية المعنية منذ نهاية السنة السادسة من التعليم الابتدائي، مع تخصيص مستوى السنة الثالثة من التعليم الثانوي الإعدادي، كتتويج لمرحلة بناء المشروع الشخصي، بمحطة مهمة تتعلق بمساعدة المتعلمين على تدقيق اختياراتهم الدراسية الأولية في أفق تجويد مخرجات المسطرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى