شوف تشوف

الرأي

المستقبل بعيون كورونا

الحسين العيساتي

في عصر ما قبل كورونا، كثيرا ما كنا نسمع بأن مهنا وحرفا كثيرة سوف تختفي لتحل محلها مهن أخرى لم يسبق أن سمعنا بها، مهن أغلبها ديجيتال تعتمد على التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي.
اليوم ومع استفحال الوباء، لا تزال هذه الفرضية واردة مع فارق بسيط، هو احتمال أن نعود مجبرين إذا انتهت الأزمة بسلام إلى المهن التقليدية البدائية! الأسواق المالية تنهار والعديد من الصناعات ستندثر ومن يدري؟ ربما نضطر إلى البدء من حيث انطلقت البشرية؛ من الزراعة والفلاحة وتربية المواشي والصيد البحري والتجارة عبر القوافل.
ربما نبدأ من جديد ولكن حتما بكثير من الموعظة، هذه المرة لن ندع السمسار يحتكر السلع ليعيد بيعها بدون مجهود يذكر! سنشتغل في الحقول طوال النهار وسنأوي في المساء إلى حانة القرية للترويح عن النفس، دون أن نبالغ في الإطراء على الراقصات والمغنين، كي لا يتحولوا مع مرور الوقت إلى نماذج وأيقونات يقتفي الشباب أثرهم تاركين الحقول والمزارع خالية، إلا من كبار السن والهمم.
سنكون حذرين ممن سيطلب منا أن ننتظم في جمعيات أو تعاونيات ويتحدث باسمنا ليدافع عن حقوقنا، سنكون أكثر توجسا منه، لأنه أول من سيتواطأ ضدنا عندما يتمكن من السلطة، السلطة التي لن نعطيها لمن يطلبها، فلقد تعلمنا بأن طالب السلطة لا يعطيها.
سوف نتعامل مع التكنولوجيا بحذر شديد، ففي زمن ما قبل كورونا قربتنا من بعضنا البعض، وسهلت علينا الكثير من الأشياء، لكنها لم تفعل الشيء الكثير ونحن محبوسون في بيوتنا بعيدا عن أسرنا وكبارنا وضعافنا.
في زمن ما بعد كورونا سوف نهتم أكثر ببعضنا البعض، بحاضرنا، لأن كل ما نعرفه عن مستقبلنا هو أننا لا نعرف عنه شيئا، لن ندخر أموالنا حتى لا تتغول علينا المؤسسات المالية وتقايضنا باستعمال مدخراتنا.
أما بخصوص أسلوب عيشنا، فالأكيد أننا سنولي العناية الكافية لتقوية جهاز المناعة عن طريق ممارسة الرياضة والتغذية السليمة، لأنهم ورغم تطور الصناعة الدوائية نصحونا، عندما كاد الفيروس أن يفتك بنا بأن نهتم بمناعتنا وممارسة الرياضة، فيما تفرغوا هم للمساومة حول العقار الذي يجب أن يطرح في الأسواق العالمية.
لن نسافر كثيرا بعد كورونا للسياحة أو التسوق أو حتى للعمل، سنصرف أموالنا في بلدنا، لكي نساهم في نمو ناتجنا الداخلي الخام، ونجعل من حكومتنا حكومة قوية قادرة على صرف التعويضات في وقت الشدة، ونجعل بالتالي من صناعتنا صناعة قوية مستقلة، لا تعتمد على ما تجود به أياد الآخرين.
عندما تنتهي كورونا، لن تعود علاقتنا بأطفالنا إلى سابق عهدها، فلقد اكتشفنا بعدما أغلق الكل بابه، أنهم لم يتخلوا عنا، بل لم يكفوا رغم التحذيرات عن عناقنا ومداعبتنا، عناق ومداعبة كانت بأثر المضادات الحيوية على أجسادنا ونفسياتنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى