المدرسة العمومية في مواجهة الدجالين
المصطفى مورادي
تعميم التعليم أكبر من أن يتم اختصاره في محاربة الهشاشة الاجتماعية، بل إنه أساسا تعميم للأنوار، وإقرار مجتمعي بأنه لا يمكن أن تتمركز المعرفة في يد فئة، أو طائفة ذات طبيعة وراثية ولا في مجموعة خاصة. فالجهل هو أكبر عدو للإنسان، لأنه يجعله مجرد لعبة في يد دجالين يسعون لإغوائه، ولا يستطيع الدفاع بنفسه عن مصالحه ووجوده. فهو مجبر على أن ينصاع بعماء لموجهين لا يحكم عليهم ولا يختارهم، حيث تتمظهر هذه الحالة من التبعية الذليلة، وتستمر عند أغلب الشعوب التي لا تحقق المساواة في التعليم، حيث نجد أعدادا كبيرة من الناس تكون الحرية والمساواة عندهم مجرد كلمات يقرؤونها في كتب القانون وليست حقوقا ينبغي لهم الاستمتاع بها فعليا في تفاصيل الحياة.
فلتقليص اللامساواة الناشئة من اختلاف العواطف الأخلاقية، هناك، أيضا، لا مساواة أخرى حيث يكون التعليم العمومي واسع الانتشار هو الدواء الوحيد، فبما أن القانون أقر المساواة بين الناس، فإن التباينات الوحيدة التي تفرقهم إلى طبقات هي التباينات التي تولد من التربية التي تلقوها، وهي ليست فقط في التنوير العقلي، بل في الآراء والأذواق والعواطف، والتي هي نتيجة حتمية. فابن الغني لا يكون في مرتبة ابن الفقير، إذا لم تعمل المؤسسة العمومية على التقارب بينهما بالتعليم، والطبقة التي تكون أكثر حذرا تصبح أخلاقها لطيفة، ونزاهتها واستقامتها أكثر دقة، وفضائلها أكثر نقاء، ورذائلها، على العكس، ستصبح أقل عدوانية، وفسادها أقل إثارة للاشمئزاز وأقل وحشية وأكثر قابلية للشفاء.
يوجد، إذن، تمييز فعلي بين المتعلمين وغير المتعلمين، وبين المتنورين وغير المتنورين، تمييز لن يكون قادرا على تدمير القانون، وإنشاء فصل حقيقي بين المتنورين وغير المتنورين، ينتج عنه بالضرورة تحولها لأداة للسلطة بالنسبة للبعض وليست مجرد وسيلة لسعادة الجميع. يتطلب الواجب الاجتماعي، المرتبط بتعميم المساواة في الحقوق بأكبر قدر ممكن، ضرورة تمتيع كل إنسان من التعليم الضروري ليمارس وظائفه بكل حرية، كرب أسرة وكمواطن، وأيضا ليقدر ويعرف كل واجباته، لرفع قيم الأنوار النافعة داخل المجتمع. فبقدر ما يكون الناس، بفضل التربية، على استعداد للتفكير الصائب وتمحيص الحقائق التي تقدم لهم، ورفض الأخطاء التي تحولهم إلى عبيد وضحايا، فإنه بقدر ما ترى أمة ما للحفاظ على قيم الأنوار التي تنمي قدرات الناس وتمنحهم فرصا متكافئة.
يتوجب على المجتمع، إذن، أن يوفر للجميع وسائل وإمكانات للحصول على المعارف لتنمية قدراتهم ومهاراتهم الحياتية التي تمنحهم التميز والتفرد، والحرية التي تجعلهم غير خاضعين لإرادات أخرى حيث يمكن عبر قوة ذكائهم، والوقت الذي يوظفونه لتعلمها يسمحان لهم بالتمكن من هذه المعارف. وسيحصلون بدون شك على وضعية مختلفة قياسا لهؤلاء الذين يملكون امتيازات طبيعية، أي هؤلاء الذين تمنحهم ثرواتهم حرية أكبر لتكريس المزيد من السنوات لدراستهم، لكن إذا كان هذا الشكل من اللامساواة لا يجعل الإنسان خاضعا لإنسان آخر، وأيضا يقدم دعما للضعيف منهم، بدون أن ننصب عليه سيدا، فإنه، أي هذا الشكل من اللامساواة، لن يكون شرا أو ظلما، ومن المؤكد سيصبح عاشقا مجنونا للمساواة، ولن يخشى طبقة المتنورين بل سيعمل على زيادة تنويره.