محمد اليوبي
دعا المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في نقطة يقظة، ضمن تقريره السنوي برسم سنة 2022، إلى ضرورة ملاءمة تدابير دعم القدرة الشرائية في ظل استمرار التضخم وتعدد أسبابه، وحذر من تدهور وضعية الطبقة الوسطى.
وأوضح التقرير الذي رفعه رئيس المجلس، أحمد رضى الشامي، إلى الملك محمد السادس، أن الاقتصاد الوطني سجل خلال سنة 2022 معدل نمو ضعيف بلغت نسبته 1,3 في المائة، وهو ما يشكل تراجعا ملحوظا مقارنة بنسبة 8 في المائة التي سجلت في سنة 2021، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار المواد الأساسية في سياق مطبوع بارتفاع معدلات التضخم؛ ومنها الداخلية، سيما آثار الجفاف والآثار المتبقية من أزمة كوفيد-19 على النسيج المقاولاتي وعلى الطلب الداخلي بصفة عامة.
وأرجع المجلس سبب ضعف أداء الاقتصاد الوطني خلال سنة 2022 بالأساس إلى تباطؤ الطلب الداخلي الذي تراجع بنسبة 1.5 في المائة بعد أن سجل ارتفاعاً قوياً بنسبة 8.9 في المائة سنة 2021. وفي هذا الصدد، وفي سياق مطبوع بارتفاع تكلفة المعيشة وفقدان مناصب الشغل وتراجع مداخيل ساكنة المناطق القروية، انخفض الاستهلاك النهائي للأسر مقارنة بمستواه في السنة المنصرمة.
وأكد تقرير المجلس أنه منذ الأشهر الأخيرة من سنة 2021، شهد المغرب ارتفاعاً مستمرا في الأثمان عند الاستهلاك، مع تسجيل معدلات تضخم غير مسبوقة بلغت نسبة قصوى تجاوزت 10 في المائة خلال شهر فبراير 2023 (ارتفعت أثمان المواد الغذائية بأزيد من 20 في المائة)، بعدما سجلت نسبة متوسطة سنة 2022 بلغت 6.6 في المائة (حوالي 11 في المائة بالنسبة لأثمان المواد الغذائية)، وهي وضعية اعتبرها المجلس معقدة بالنظر إلى كون الارتفاع الملاحظ في الأسعار يُعزى إلى أسباب مختلفة يتغير حجم تأثيرها في هذه الظاهرة باستمرار.
وأشار المجلس إلى أن التضخم بالمغرب قد نشأ في مرحلة أولى نتيجة عوامل خارجية (المنتجات النهائية أو المدخلات اللازمة للمنتجات المصنوعة محليا)، لكن ابتداء من سنة 2022، انضاف عاملان داخليان تمثلا في الجفاف وموجات البرد القارس، ليؤثرا بشكل ملموس على تكلفة المنتجات الغذائية.
وكشف التقرير أن هذا المنحى التصاعدي لارتفاع الأسعار، سيما أسعار المنتجات الغذائية، يؤثر بشكل أقوى على الأسر ذات الدخل المحدود نظرا لكون هذه المنتجات تحتل مكانة أكبر في سلة استهلاكها، مشيرا إلى أن الطبقة الوسطى تجد نفسها أكثر تأثرا بالتضخم، نظرا لافتقارها لما يكفي من القدرة المالية وهامش المناورة لمواجهة صدمات تضخمية مهمة.
ويعزى ذلك، حسب التقرير، إلى لجوئها في غالب الأحيان إلى الخدمات الأساسية، كالتعليم والصحة، التي يوفرها القطاع الخاص بأسعار أعلى، وذلك في ظل خدمات عمومية لا تزال جودتها دون الحاجيات والتطلعات.
وأضاف التقرير أن هذا التضخم يعزى أساسا إلى عوامل مرتبطة بالعرض وكلفة الإنتاج بالنسبة لبعض القطاعات، لكنه يتأثر أيضا بممارسات محتملة منافية لقواعد المنافسة وكذا لاختلالات في مسارات التسويق، دون إغفال احتمال ظهور وتطور ممارسات لبعض المنتجين تتعلق بهامش الربح، في ما يعرف بظاهرة الجشع التضخمي.
واستحضارا للتدابير التي اتخذتها السلطات العمومية، يقترح المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، في ضوء التشخيص الذي قام به وجلسات الإنصات والاستشارة المواطنة التي نظمها، جملة من التدابير الإضافية على المدى القصير لتعزيز التدابير التي جرى اتخاذها، حيث أوصى بتعزيز عمليات مراقبة الممارسات المنافية لقواعد المنافسة مع تطبيق عقوبات رادعة بما يكفي، واعتماد تدابير كفيلة بالتقليص من مراكمة هوامش الربح المبالغ فيها، والنظر في إمكانية اتخاذ تدابير مؤقتة لتقنين أسعار بعض المنتجات الأساسية التي شهدت ارتفاعا مهما أو التي تكتسي أهمية بالغة بوصفها مدخلات مشتركة في باقي المنتجات، سيما وأن المادتين 4 و5 من القانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة تتيحان هذه الإمكانية.
ودعا المجلس إلى التصدي للتضخم الذي يهم المنتجات الغذائية، من خلال العمل على دعم المدخلات الفلاحية على وجه الخصوص (البذور، منتجات الصحة النباتية، علف الماشية…)، والإسراع بإصلاح أسواق الجملــة، عبر إرساء نظام تدبير مفتوح أمام المنافسة وجعل ولوج المهنيين إليه مشروطاً باحترام دفتر التحملات، مع تيسير الولوج اللوجيستيكي لصغار الفلاحين والتعاونيات لهذه الأسواق.
وأوصى المجلس بالعمل على إصدار المراسيم التطبيقية للقانون رقم 37.21 الذي دخل حيز التنفيذ في يوليوز 2021 والذي تسمح مقتضياته بتسويق المنتجات الفلاحية المنتجة في إطار مشاريع التجميع الفلاحي مباشرة دون إلزامية المرور عبر أسواق الجملة، كما أوصى بالعمل قدر الإمكان على ضمان شفافية السوق شفافية تامة، من خلال النشر الدائم للمعلومات حول الكميات المتداولة، والأسعار، وهوامش الربح، وذلك ارتكازا على نظام معلوماتي خاص بهذا الأمر.
ودعا المجلس لمنح مساعدات مباشرة للأسر المعوزة لتخفيف تأثير التضخم على قدرتها الشرائية، ودراسة جدوى إجراء تخفيض استثنائي لسعر الضريبة على القيمة المضافة، يهم بشكل خاص المنتجات الأساسية التي يؤثر ارتفاعها سلبا على سلة استهلاك الأسر المعوزة والأسر المنتمية للشريحة الدنيا من الطبقة الوسطى.