شوف تشوف

الرأي

اللد.. صندوق الصهيونية الأسود

صبحي حديدي

في عددها المؤرخ في 14 أكتوبر 2013 نشرت مجلة «نيويوركر» الأمريكية الشهيرة مقالة مسهبة بعنوان «اللد.. 1948»، كتبها الصحافي الإسرائيلي أري شافيت، الذي كان أحد كتاب صحيفة «هآرتز» ومحسوبا على فريق اليسار، إجمالا. المقالة سوف تتحول إلى فصل في كتاب «أرضي الموعودة: انتصار ومأساة إسرائيل»، سوف يصدر بالإنجليزية أواخر تلك السنة أيضا؛ وسيحظى بإطراء واسع النطاق من كتاب ومعلقين يهود في صحف ودوريات أمريكية بارزة.
المقالة/ الفصل في كتاب تروي حكاية بلدة اللد الفلسطينية، من زاوية أولى هي مشروع الصهيوني الألماني سيغفريد ليهمان، الذي وصل إلى البلدة سنة 1927 وعلى نقيض العديد من المشاريع الصهيونية الأخرى الفاشلة، نجح ليهمان في إنشاء قرية شبابية باسم «بين شيمان»، ألجأت عددا من يتامى ملاجئ ضواحي برلين اليهود. الزاوية الثانية تبدأ وقائعها في أبريل 1948، حيث تحولت القرية إلى ثكنة عسكرية تابعة للجيش الصهيوني، وفي يوليوز أطلق دافيد بن غوريون عملية «لارلار»، التي استهدفت اجتياح اللد والرملة واللطرون ورام الله، كما أصدر إلى موشي دايان، قائد الكتيبة 89، وإسحاق رابين، ضابط العمليات، الأمر بترحيل سكان اللد الـ30000، بصرف النظر عن الأعمار، بعد ارتكاب مجزرة قضت على حياة 250 من السكان.
ويكتب شافيت: «اللد هي الصندوق الأسود للصهيونية. الحقيقة هي أن الصهيونية لم تكن تحتمل مدينة اللد العربية. منذ البدء كان ثمة تناقض جوهري بين الصهيونية واللد. إذا كان للصهيونية أن توجد، فليس للد أن توجد. وإذا كان للد أن توجد، فلا يمكن للصهيونية أن تولد. وضمن مفعول رجعي، كان الأمر بالغ الوضوح. حين وصل ليهمان مع زوجته ومجموعة أيتام كوفنا إلى وادي اللد، توجب عليه أن يبصر أنه إذا كانت دولة يهودية ستقام في فلسطين، فإن بلدة عربية باسم اللد ليس لها أن تقوم في وسطها. لقد توجب عليه إدراك أن اللد كانت عقبة تغلق الطريق إلى دولة يهودية، وأنه سوف يتوجب على الصهيونية أن تزيل تلك العقبة».
ورغم أن المؤرخ الإسرائيلي بيني موريس، قبل انقلابه على مجموعة «المؤرخين الجدد»، كان قد فصل القول في مجزرة اللد وما شهدته من تصفية عرقية؛ فإن الإطراء الذي حظي به شافيت كان أوسع نطاقا وأكثر تشديدا على سمة «الشجاعة» في نقد المؤسسة الصهيونية. الأمر الذي لم يقره مؤرخ وباحث يهودي بارز هو نورمان فنكلستين، في كتابه «نبيذ عتيق، زجاجة مكسورة: أرض شافيت الموعودة»، 2014؛ والذي عرى ازدواجية قراءة تاريخ النكبة، وكيف أن بعض الصهاينة يعتمدون الرفق والترفق في تأويل دوافع قادة الصهاينة خلال ارتكاب المجازر بحق الفلسطينيين وتنفيذ عمليات التهجير والتصفية، على غرار ما جرى في اللد؛ مقابل الشدة والتشدد في الدفاع عن ضرورات إنجاح المشروع الصهيوني في فلسطين، والسعي إلى تنقية الصهيونية من الشوائب.
وعادت مدينة اللد أخيرا إلى صدارة الأحداث، في أعقاب هبة القدس على خلفية ترحيل الفلسطينيين من مساكنهم الشرعية في حي الشيخ جراح، واقتحام باحات المسجد الأقصى؛ وليست هذه العودة سوى الدليل الأحدث على أن نبيذ الصهيونية العتيق لم يُعبأ في دنان مشروخة وزجاجات مكسورة فحسب، بل كانت التعبئة كناية عن إراقة الدماء وتهجير السكان الأصليين وتدمير القرى والتصفية العرقية. وهذه وقائع كبرى لا تفلح العقود، ولا حتى القرون، في حَرْف حقائقها الدامية الدامغة أو طمسها أو إخماد مفاعيلها كلما توجب أن تفتح الملفات ويطلب التاريخ إحقاق حقوقه.
أمثال شافيت كثر، لا يخفى، على امتداد تاريخ الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، حيث صناديق سوداء أخرى لا عد لها ولا حصر. النادر والغائب هو الصوت الصافي في إدانة الصهيونية، بوضوح وصراحة ودونما بحة أو تلكؤ أو تأتأة.

اللد هي الصندوق الأسود للصهيونية. الحقيقة هي أن الصهيونية لم تكن تحتمل مدينة اللد العربية. منذ البدء كان ثمة تناقض جوهري بين الصهيونية واللد. إذا كان للصهيونية أن توجد، فليس للد أن توجد. وإذا كان للد أن توجد، فلا يمكن للصهيونية أن تولد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى