كشفت الظرفية التي تمر منها بلادنا مع إعلان الطوارئ الصحية عن العديد من الممارسات والسلوكيات اللاأخلاقية الهادفة إلى زعزعة سوق الكمامات، خصوصا من خلال استغلال نقصها وحاجة المواطنين إليها للوقاية من فيروس كورونا المستجد، وذلك من خلال شراء كميات وافرة من الأقنعة الواقية وتخزينها بهدف القيام بمضاربات بخصوص سعرها، والذي تم تحديده سلفا من قبل السلطات العمومية في 80 سنتيما كسعر أقصى. إذ صدر في هذا الإطار قرار لوزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة رقم 1057.20 ، بتاريخ 6 أبريل 2020، والمتعلق باتخاذ تدابير مؤقتة ضد ارتفاع أسعار الكمامات الواقية، والذي نصت مادته الأولى على ما يلي: «تنظم لفترة مؤقتة تحدد في ستة أشهر أسعار البيع بالتقسيط للكمامات الواقية غير المنسوجة الموجهة للاستعمالات غير الطبية، التي تستجيب لمعايير المواصفة المغربية NMST21.5.200. كما نصت مادته الثانية على ما يلي: «يحدد سعر البيع للعموم للكمامات المذكورة في المادة الأولى أعلاه في 0,80 سنتيما».
فالواضح باستقراء هذين النصين أن المشرع حدد السعر الأقصى للكمامة الواقية، الشيء الذي يدل بما لا يطرح مجالا للشك أن مجال التجريم ينصرف للبيع بثمن غير ذلك المحدد بموجب القرار، سواء من خلال رفع السعر أو تخفيضه، إذ يرى في هذا الإطار العديد من الباحثين في المجال القانوني أن البيع بسعر أقل لا يعد فعلا مجرما ما دام أن المشرع حدد السعر الأقصى دون الأدنى، مستدلين في ذلك بقاعدة عدم جواز التوسع في النص الجنائي، غير أنه في نظرنا فإن هذا الطرح يبقى محل نظر لاعتبارين قانونيين، الأول يتعلق بتحديد السعر بشكل دقيق من قبل المشرع، والثاني يتعلق برغبة المشرع من خلال هذا التحديد في حفظ السير العادي للسوق.
فإذا كان العديد يرى أن العقوبة المزمع تطبيقها على كل من خالف مقتضيات هذا القرار المتعلق بتحديد سعر الكمامة، تبقى تلك المنصوص عليها بالمادة الرابعة من مرسوم بقانون 2.20.293، فإنه من وجهة نظرنا أنه لا مجال لتطبيقها في ظل وجود نصوص تتضمن مقتضيات جنائية أشد، وهنا نتحدث عن المادة 76 من قانون حرية الأسعار والمنافسة والتي جاء فيها ما يلي: «يعاقب بالحبس من شهرين إلى سنتين وبغرامة من عشرة آلاف درهم إلى خمسمائة ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، كل من افتعل أو حاول افتعال رفع أو تخفيض سعر سلع أو خدمات أو سندات عامة أو خاصة، باستعمال أي وسيلة كانت لنشر معلومات كاذبة أو افتراءات بتقديم عروض بالسوق قصد الإخلال بسير الأسعار أو عروض مزايدة في الأسعار التي طلبها الباعة أو باستخدام أي وسيلة أخرى من وسائل التدليس.
عندما يتعلق رفع أو تخفيض الأسعار المفتعل بالمواد الغذائية أو الحبوب أو الدقيق أو المواد الطحينية أو المشروبات أو العقاقير الطبية أو الوقود أو السماد التجاري، يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وبغرامة لا يزيد مبلغها عن ثمانمائة ألف درهم.
يمكن أن ترفع مدة الحبس إلى خمس سنوات والغرامة إلى مليون درهم، إذا تعلقت المضاربة بمواد غذائية أو بضائع لا تدخل في الممارسة الاعتيادية للمخالف».
فالثابت من خلال استقراء هذا النص أن المشرع عمل على تجريم كافة الأفعال التي يكون الهدف منها الإخلال بالسير العادي للسوق، خصوصا في ظل تنظيم أسعار هذا الأخير بموجب القرار رقم 1057.20، فالواضح جليا أن هذه الأفعال لا يمكن أن تكون محلا للتجريم والمساءلة في ظل انتفاء القصد الجنائي الخاص، والمتمثل في الإخلال بسير الأسعار أو عروض مزايدة الأسعار. كما يلاحظ أن المشرع لم يحدد الوسائل التي يمكن للفاعل الاستعانة بها من أجل تنفيذ فعله الإجرامي على سبيل الحصر، وإنما على سبيل المثال، فاسحا بذلك المجال أمام ما يمكن أن تكشفه الأيام من تطورات تكنولوجية بخصوص آليات التسويق.
وكملاحظة بخصوص الفقرة الأخيرة من هذا النص، فإن مسألة زعزعة السوق من خلال الرفع أو الخفض من الأسعار المحددة، قد يكون محل ارتكابها ممن له صلاحية القيام بذلك من خلال سلوكه المساطر الجارية في هذا الإطار، أو من خلال الممارسة الاعتيادية، ولعل المشرع يقصد بذلك مقتضيات المادة السادسة من مدونة التجارة، أما إن كان مرتكبها لا يمارس نشاط بيع بضائع لا تدخل في نطاق ممارسته الاعتيادية، فإنه يضحى أمام ظرف مشدد تصل معه العقوبة إلى خمس سنوات.