شوف تشوف

الرأي

القيصر السوري والقيصر الروسي

هذا الحديث يصلح تنزيله على الواقع السوري، فقد بلغت القلوب الحناجر ويظنون بالله الظنونا فقد جاء في صحيح البخاري عن أبي عبد الله خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، فقلنا ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا؟ فقال: «قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، ما يصده ذلك عن دينه والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون».
إن ما يحدث في سوريا يقفز بالذهن إلى تصور مشؤوم عن غابة عالمية نعيشها الآن بين أسد أمريكي ودب روسي وتنين صيني ونسر أوربي وفيل هندي ونمر ياباني وثعلب صهيوني وجمل عربي وقرد أفريقي.
العالم الذي نعيش فيه اليوم غابة. وكما كان هناك ملك يحكم الغابة فأمريكا اليوم هي أسد هذه الغابة. وكما ينص قانون الغابة أن (القوي يأكل الضعيف) كذلك الحال في غابة الأمم المتحدة. وبالطريقة التي يتفاهم بها حيوانات الغابة الأقوياء كذلك الحال في مجلس (الرعب) عفواً مجلس (الأمن). روسيا تبتلع الشيشان ثم سوريا، والعراق يلتهم الكويت وأمريكا بدورها تلتهم العراق. كما في أعماق المياه السمكة الكبيرة تبلع في جوفها الصغيرة.
وفي عالم (الحيوان) يتعرف المرء بسرعة على الكائن من جلده وأنيابه، ولكن في عالم (الإنسان) يبتسم الرأسمالي بأسنان بيضاء ويعلق كرافتة حمراء ويكذب بقدر جبل.
وصدق (جورج أورويل) في كتابه عن المزرعة (The Farm)، أن الخنازير هم الذين سيديرونها فيسرقون بيض الدجاج ويسخرون الحصان لبناء طاحونة ويسيطرون على الجميع بكلاب شرسة مدربة على العضاض. ومن نسل الخنزير الكبير تظهر ذرية خنازير تملأ المزرعة.
وكما يقول (روبرت غرين) في كتابه (شطرنج القوة) ص 96) إن «عالم السلطة يتحرك بآلية الغابة ففيه الذين يعيشون بالصيد والقتل، وهناك أيضاً أعداد هائلة من المخلوقات كالضباع ونسور الجيف التي تعتاش من صيد الآخرين».
حاليا تتشكل لجنة بقيادة الحقوقي (ديفيد كرين) هي لجنة المحاسبة السورية، ووصلت هذه اللجنة حتى ديسمبر 2015، بتوثيق 12252 حالة من جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية قام بثلثيها النظام، وهناك خروقات غير مؤكدة تماما قام بها رجال داعش أو الجيش السوري الحر وضعفها يأتي من أن رجال بقية مجموعات المتمردين لا تلبس زيا عسكريا أو ما يميزها.
يقول مدير المشروع ليفرانت طالما كانت حربا فليس من فريق بريء. ويؤكد أن القضية ليست في أجندة سياسية كما أنها لا تدور حول كمية الخسائر والضحايا، فقد يحدث في زلزال وكوارث طبيعية كما في التسونامي حين أخذ 700 ألف من الأنام ولكن وقوعها في مجال جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب تجر إلى لجنة عالمية ومحكمة تقوم بالقسط بين الناس.
تقول اللجنة إنها وثقت كيف أعطى بشار الأسد تعليماته لسهيل الحسن من المخابرات الجوية بقتل المتظاهرين السلميين بالرصاص الحي. إنها وثقت أوامر للأسد بالقتل وهدم المدن فوق رؤوس ساكنيها كلها بالأرقام والأيام والأمكنة تحديدا. إنها وثقت اختفاء قسريا لـ 130 ألفا من الأحياء الذين ابتلعتهم المعتقلات ولا يعرف أحد مصيرهم (صديقي الدكتور عمار من مدينة نمر الحورانية اختفى ولدين له حتى كتابة هذه الأسطر وكذلك الأستاذ المهذب عبد الأكرم من داريا). إنهم وثقوا طرق التعذيب من كسر العظام حتى الحرق حيا.
إنهم يتفاءلون أن يسيروا كما فعلوا مع قضية دم الألماس (Blood – Diamante – Process) في محاكمة تايلور المجرم من ليبريا.
اشتغل كرين ثلاثين عاما في القضايا الحقوقية وعمل أخيرا في وزارة الدفاع الأمريكية في منصب شائك وهو التدقيق في عمل المخابرات قانونيا.
أخيرا أخذ موقف الدفاع عن السوريين المضطهدين خاصة في تحريك قضية التقرير الشهير قيصر؟ ولكن ماهو قيصر هذا؟
تبدأ القصة لرجل فر من سوريا وفي حذائه ميكروشيبس عن تصويرات بلغت 55 ألف صورة لنهاية فاجعة بالجوع والتعذيب لـ11 ألف معتقل ما يذكر بالهولوكوست النازي. تشكك القوم في الصور بادئ ذي بدي حتى كلفت الحكومة القطرية خبراء محايدين من أمثال كاتر راك (Cater Ruck) من بريطانيا، وخبيرين اثنين معتمدين للتأكد من النهاية الأسيفة لأولئك البؤساء؟ كانت النتيجة إنها صحيحة مائة بالمائة.
يقول كرين إن عشرات الآلاف من الصور ليست إلا قمة جبل الجليد فهي صور جاءت من ثلاث مناطق مخابراتية في سورية، وهناك في أماكن أخرى تفوق الخمسين تطحن عظام المعتقلين وتلتهم حياتهم مثل الآلة الجائعة على مدار الساعة.
القيصر السوري
دمر الأسد الأب حماة عام 1982، وفي ليلة واحدة قتل أخاه رفعت الأسد ألف معتقل سياسي في سجن تدمر وهم أسرى في القيد مقرنين. وهناك معتقلون بدون أي محاكمة منذ أكثر من ثلاثين عاما مثل ابن الخالة نور التي رأته مرة واحدة ثم ماتت بعد ذلك، وأنا شخصيا ذقت السجون البعثية أربع مرات فأعرف دموية وشراسة النظام السوري حق المعرفة، ولكن ما صدر إلى السطح قبل فترة أصاب مفاصلنا بالرجفة، فقد اجتمع على السوريين اليوم القيصر الروسي بوطين بطيران دولة عظمى محولا سوريا إلى جروزني جديدة، مع أخبار سربها رجل يدعى القيصر السوري فما حقيقة ما جرى ويجري؟
روت لي ابنتي من نيويورك كيف اشتغلوا لمدة شهر وبالتعاون مع الحقوقي الأمريكي ديفيد كرين، لفحص الصور التي هرب بها المدعو قيصر من سوريا، ويقول القانوني (ديفيد كرين) إنه اجتمع بالقيصر (اسم مستعار) وتحدث معه وهو مختف الآن باسم مستعار في بلد أوربي، ومما روى عن تجاربه أنه لم يعد يتحمل التصوير (11 ألف جثة ماتت جوعا وتعذيبا موثقة بـ 55 ألف صورة) فقد كانت مهمته تصوير الجثث وتوريدها للقصر الجمهوري (من الغريب هذا التوثيق الذي قد يفتضح ولكنه يذكر بالعقلية النازية الجهنمية، فهتلر لم يكن يرتاح قبل أن يرى النهاية لخصومه أو من يعتبرهم خصومه مصورين بفيلم حي من نوع 8 ملمترات في أيامهم؟).
يقول قيصر وفي يوم كان أحد الضحايا صديق لهم فقرر الهرب لأنه سيكون الصورة القادمة والضحية التالية لا مفر.
يتشكك كثيرا كرين أن يخرق مجلس الأمن للإدانة والتحقيق لمعرفته العميقة بهذا المجلس المنحاز من روسيا وأمريكا لنجاة صديقهم الموهوب في القتل، ولذا قاموا بالتفاف مختلف بالضغط في مجلس النواب الأمريكي والشيوخ حتى قام الجمهوري كريس سميث (Chris Smith) بالتعاون معهم وعرض الفاجعة على لجنة مستقلة.
حاليا تم تحضير خمس قضايا للرفع القانوني في وجه الأسد الهارب من العدالة بالفيتو الروسي، ليس فقط في وجه النظام بل أيضا في وجه بعض المجموعات المسلحة مثل النصرة وداعش وحتى الجيش الحر (روى لي صديقي طبيب الأسنان من بصرى الحرير كيف استسلم تسعة جنود للمعارضة المسلحة فقتلوهم ميدانيا).
يقول كرين عن خبرته الشخصية إن والده كان ضابطا يخدم في الجيش الأمريكي في ألمانيا الاتحادية، ورأى وهو طفل معسكر داخاو الألماني حيث كان يزرب ويصفى المعتقلون. قال لقد شممت رائحة الرعب وما زالت في خياشمي حتى درست الحقوق وكرست نفسي اليوم للسوريين كما فعلت مع المجرم تايلور.
وحين يتحدث عن حملة بوش الصغير يقول كنت أنا في وزارة الدفاع حين تم التهيئة لاجتياح العراق الحق أقول لكم كانت من أجل النفط لا أكثر ولاأقل.
ومن أعجب ما يذكر الرجل عن قضية المجرم تشارلز تايلور (حاكم ليبري السابق المسؤول عن قتل مائة ألف أو يزيدون) أن عمله لم يسند من الحكومة الأمريكية بل تمت عرقلته في بعض المراحل، ليكتشف بعجب أن تايلور كان عميلا مدللا ليس عند الاستخبارات المركزية فقط (CIA) بل وأيضا المخابرات المركزية العسكرية (DFA)، وكان أحب لقلوبهم حتى لو قتل مائة ألف أويزيدونأو مثل بشار البراميلي 470 ألفا من الأنام وعطب مليونين وهريبة عشرة ملايين؟
ويسرد عجبه أن هناك الكثير من هؤلاء الأمساخ المجرمين الذين لايمكن جرهم لعدل وعدالة ومحكمة وهيئة لأنهم محروسون بالفيتو الخسيس.
لينتهي بالقول: إن الطريق لتحقيق العدالة طويل ومليء بالمفاجآت والمطبات، ولكن يكفي أننا نجحنا مرة في جر مجرم عريق إلى العدالة، ووضعنا الأصفاد في عنقه والسلاسل يسحبون، ومن نجح مرة ينجح مرات. كان ذلك في الكتاب مسطورا.
من هذه الخلاصة نصل إلى أن الظلم في الأرض عريق، وبين الخلائق مستمر وعتيق، ومن ظلمات هذا الجو كان لابد من مجيء فكرة اليوم الآخر بالأمل حيث لا ظلم.
ونضع الموازين القسط يوم القيامة ولو كانت مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى