شوف تشوف

الرأي

القواعد العشر في الجراحة (2)

خالص جلبي
استفدت القاعدة التاسعة من متقاعد في الجيش، لما رأى مشاكل البناء عندي فقال (ما البناء إلا أربعا: الوقوف في الشموس ومعاشرة التيوس وإهدار الفلوس وتعكير النفوس).
9ـ (قانون المثل الروسي) طبق المثل الروسي في العمل الجراحي: قس تسع مرات قبل أن تقص مرة واحدة! يصدق هذا على زرع الشريان الصناعي لطرف مهدد بالبتر، ووضع الصفيحة في كسر. يجب وضع القاعدة الذهبية نصب أعيننا: الجراحة مرة واحدة والقص مرة واحدة. لا يمكن فتح المريض مرات. فتح بطن المريض المكرر يعني الانزلاق إلى حافة الموت.
المضاعفات هاجس الجراحين
10 ـ (قانون المضاعفات) في معمعة العملية والنزف، يجب استنفار الطاقة تحت قانون التوقع ومخاطبة اللاوعي المتكرر وحفزه لإنقاذ المريض. توقع الشيء يعني شق الطريق لتحصيله، ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة، كن متفائلا تنجح. كن متشائما تفشل. إذا كان الجراح في ورطة وبدأ في الارتباك يصبح في ورطتين، يجب تمرير هذه المعلومة إلى الوعي كي يتم السيطرة على الوضع. مع هذا الاختلاطات بما فيها الوفاة أمر يحدث بين الحين والآخر. ومن يأتي الى المستشفى ليس بأحسن أحواله، وهو مريض وليس سليما قويا. الموت سيحدث ويتكرر، ولكن دروس الموت تعطينا فرصة إنقاذ الآخرين. طور الأطباء أنظمة (مثل النظام المتطور لإنقاذ الحياة A.T.L.S.ADVANCED TREATMENT LIFE SAVING)، لتخفيف حالات الموت من خلال القانون الإحصائي. لا تدري نفس ماذا تكسب غدا، وما تدري نفس بأي أرض تموت. لا تعلم نفس أين تموت، كيف وبأي مرض، ولكن الطب تدخل بشكل إحصائي احتمالي نسبوي فرفع متوسط العمر، وأنقذ حياة الكثيرين ممن كانوا يموتون سابقا. استخدام قانون لتعطيل قانون آخر سنة الله في خلقه. الحديد لا يطير في الهواء، ولكن البشر سخروا قوانين الطيران فطار الحديد في الهواء؛ يحمل مئات الأطنان من البشر والبضائع، يعبر فوق المحيطات في رحلة لا تتوقف، وغواصات نووية تسير عبر محيطات الثلج لأشهر.
الاختلاط يحدث بخطأ فني ضمن حلقات لا تنتهي من سلسلة العمل الطبي الاجتماعي، إحدى حلقاتها عمل الجراح من رض، أو عدم إرقاء للأوعية النازفة، أو خياطة سيئة.
لا تطوير بدون روح مغامرة
الاختلاطات (المضاعفات) يجب أن لا تخلق حالة رعب من ممارسة الجراحة، وحوادث السيارات يجب أن لا تخيفنا؛ فنمتنع عن قيادة السيارة لقضاء حوائجنا. الأمر يعالج بمزيد من الحذر؛ فالكون يقوم على سنة الله في خلقه، ولكن من خلال القانون الإحصائي الاحتمالي، وهذا لب مفهوم القضاء والقدر، فعندما يأتي القدر يزول الحذر ويعمى البصر.
لا يمكن تطوير الطب بدون روح المغامرة وقدر من المضاعفات. الجراح الأمريكي المشهور (كولي) قال عن جراحات القلب التي طوَّروها: لم تكن الخمسين الأولى بدون اختلاطات، ثم تحسن الأداء. هكذا ركبت الحياة، وهكذا يتم بناء الخبرة، وهناك أناس سيدفعون الثمن أردنا أم أنكرنا، وقد نكون نحن أحيانا من يدفعه بصورة وأخرى.
بناء معادلة صعبة لا تشترى ولا تستورد
وهنا نقطة هامة ومعادلة يجب صياغتها من أجل بناء صرح علمي بين (المضاعفات وبناء المهارات). لا تمشي سيارة بدون فرامل، كما لا تمشي السيارة مع الفرامل. السيارة التي تمشي بدون فرامل تمشي باتجاه الحوادث. السيارة المعقولة (مشدودة) الفرامل قد تمشي، ولكن ببطء فظيع مع احتراق (ديسكات العجلات). لا يمكن إنجاز طب بثلاث حلقات من (وفرة الإنتاجية PRODUCTION)
و(خلق نظام تدريب TRAINING) و(بناء جهاز تطوير DEVELOPMENT)، بدون وضع أسس (نظام متوازن BALANCED SYSTEM) طبي يحمي الطبيب الممارس، كما يحمي المريض من الاستهتار الجراحي. لا يمكن الإقلاع بطب (دفاعي) يشعر فيه الجراح أنه محاصر، بين مطرقة شكوى المريض وسندان تحقيقات اللجان. نقطة التوازن هذه (تبنى حضاريا) فلا يمكن شراؤها، وليست بجهاز ينقل عبر البحار، بل بنى عقلية أخلاقية اجتماعية تصنع محليا، ولا يمكن شراؤها واستيرادها مهما دفعنا من ثمن. يجب حماية الطبيب فلا يقع في الشعور المرضي أنه يخاف من المريض ويخاف عليه، ويجب حماية المريض أنه في يد أمينة وهناك مراجعة لما يحدث. إحكام هذه الرافعة وتمتين هذه العلاقة، يخلق الجو الطبي الصحي للنمو والازدهار. جو الرعب والخوف والانكماش (كما عشناه في دول النفط)، يقود إلى طب بدون احتراف يحرص الجراح فيه على جلده قبل جلد المريض، وراتبه في آخر الشهر، في شهادة صاعقة بدون تصريح وصوت.
الجراحة حس ينمو مع الوقت والخبرة والاهتمام، وهي ذوق تدل على شخصية مؤديها على خشبة مسرح العملية. هي دقة تعتمد احترام أقدس ما في الوجود من حرمة الإنسان. هي أناقة أداء، ورقصة رشيقة، ولمسة حانية، ولوحة ألوان، وريشة مبضع فنان، وروح انفعال بحرص، ووجدان إنسان رحيم.
هي أصول يجب أن تؤدى بخشوع الصلاة. هي نظافة يجب أن يحافظ عليها من خطر الإنتان. هي ترتيب في الأفعال، وتراكب في المراحل. من أراد دخول الجراحة يجب أن يستعد لها بالاستعداد الخاص الخالص، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى