القمح.. المعادلة الأصعب
مع استمرار شبح الجفاف للموسم السادس على التوالي واستدامة النزاعات الدولية وما خلفته من تداعيات اقتصادية، سيما في ما يتعلق بارتفاع أسعار سوق القمح إلى مستويات غير معهودة، يعود ملف منسوب مخزون القمح في بلدنا إلى الواجهة. ولأن المغرب يعد من أكبر مستوردي القمح في العالم، أضحى لزاما على السلطات إيجاد خيارات متعددة للحفاظ على احتياطي آمن لتجنب مخاطر الصدمات واللايقين.
نقول هذا الكلام لأنه، منذ يونيو الماضي، لم يستورد المغرب منسوبا كبيرا من القمح اللين، وبالتالي فإن المخزون المتوفر من هاته المادة الحيوية بموائد المغاربة مهدد حاليًا، لأن ما نملكه من احتياطي يزيد بقليل عن ثلاثة أشهر مقارنة بالأشهر الستة المعتادة، ومن أجل استعادة هذا التوازن لمخزون القمح لابد من إعادة النظر في تدبيرنا الفلاحي ليتماشى مع إكراهات سلسلة الأزمات التي لا تنتهي.
وقد يكون الجفاف، الذي أصبح هيكليا، والتوترات الجيواستراتيجية التي أضحت معطى ثابتا، فرصة لمراجعة إستراتيجيتنا في زراعة الحبوب. فلم يعد مقبولا أن نقف في طوابير السوق الدولية للاستيراد من الهند أو كندا أو أوكرانيا وبالسعر الذي تحدده السوق السوداء وتجار المآسي.
ولا شك أن أحد أكبر الأسباب التي تهدد احتياطينا من القمح هو العجز الحاصل في فضاءات تخزين المادة، فطاقة التخزين ضعيفة حيث لا تتجاوز احتياطي ستة أشهر، الأمر الذي جعل الكثير من عمليات الاستيراد المفتوحة بمراسيم والمستفيدة من الرسوم تتسم بالمحدودية.
أمر آخر يشكل إكراها حقيقيا لفلاحتنا وهو ضعف مساحات زراعات القمح، ليس فقط بسبب الخوف من الجفاف بل لأغراض مادية تهم مصالح الفلاحين الكبار. وهنا يتوجب حضور قرار سياسي وإرادة دولة لإعطاء الأولوية في الزراعة للقمح حتى ولو كان ذلك خلافا لتوجهات لوبيات الفلاحة التي تفضل الاستثمار في الفواكه والخضر من أجل تصديرها وتضخيم أرصدتها البنكية على حساب الأمن الغذائي للمغاربة وحاجات الناس الأساسية والضرورية.
نحن أمام معادلة صعبة، فبلدنا يصنف ضمن البلدان الفلاحية منذ أكثر من نصف قرن، لكن لم نستطع حتى الآن تحقيق الاكتفاء الذاتي في مادة القمح ولازلنا ننتظر القدر الرباني للوصول لسقف 100 مليون قنطار سنويا ونستورد أكثر من ثلثي حاجاتنا من الأسواق الدولية، والأكيد أن تحقيق الاكتفاء الذاتي أمر ممكن في المغرب، وتاريخياً كان يطلق على بلدنا أنه بلد القمح، لكن الفلاحة التكسبية المدرة للعملة الصعبة جعلت زراعة القمح تتوارى إلى الخلف حتى أصبح غذاؤنا رهينا بغيرنا.