النعمان اليعلاوي
على بعد أيام قليلة من نهاية الموسم الدراسي الحالي، حسم القضاء الاستعجالي في الجدل المثار حول إقدام بعض المؤسسات التعليمية التابعة للبعثة الفرنسية، خلال مطلع هذا العام، على منع دخول تلميذات يدرسن لديها بالحجاب إلى المؤسسات، فقد أصدرت المحكمة الابتدائية بمراكش، حكما استعجاليا لصالح تلميذة منعتها مدرسة تابعة للبعثة الفرنسية بمراكش من الدخول، بسبب ارتدائها الحجاب.
وجاء في منطوق حكم (تتوفر عليه «الأخبار») أن مدرسة البعثة الفرنسية بمراكش «فيكتور هوغو»، قامت بمنع التلميذة من الدخول، بسبب أن النظام الداخلي للمؤسسة يمنع ارتداء أي لباس يتعلق بالمعتقد الديني، وفي رد المؤسسة على الدعوى القضائية التي رفعتها ضدها والدة التلميذة، أجابت المؤسسة التعليمية بأن نظام التربية الفرنسي يمنع ارتداء أي لباس له علاقة بالرموز الدينية، في حين اعتبرت المحكمة أنه لا يحق للمدرسة منع التلميذة من الدخول، لأنه أمر مخالف للدستور وللمواثيق الدولية، وذلك تحت طائلة غرامة تهديدية قدرها 5000 درهم عن كل يوم تأخير عن التنفيذ.
واستند الحكم القضائي إلى أن المملكة المغربية، العضو العامل النشيط في المنتظم الدولي، تلتزم في ديباجة دستورها بحماية منظومتي حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والنهوض بهما، مع مراعاه الطابع الكوني لتلك الحقوق وعدم قابليتها للتجزئة، وجعل الاتفاقيات الدولية، تسمو فور نشرها على التشريعات الوطنية، موضحا أن مجموعة من الاتفاقيات الدولية في مجال حقوق الإنسان التي تعد المملكة المغربية طرفا ملتزما بما جاء فيها، نصت على تعهد الدول الأطراف من أجل ضمان جعل ممارسة الحقوق المنصوص عليها في هذه المواثيق بريئة من أي تمييز بسبب العرق، أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو غير ذلك من الأسباب، وأنه من بين هذه الاتفاقيات ما جاء في الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري المصادق عليها في 18 دجنبر 1970، التي نصت في مادتها الخامسة على حق الأفراد في حرية الفكر والعقيدة والدين، واعتبر القضاء أن ارتداء التلميذة للحجاب يندرج ضمن ممارستها لحريتها الشخصية، وأنه ليس فيه أي مساس بصحة السلامة العامة، معتبرا أن «حرمانها من ولوج المؤسسة التعليمية يعد خرقا لحق من حقوق الطفل».
ويشار إلى أن عددا من آباء وأولياء تلاميذ مؤسسة تعليمية تابعة للبعثات الفرنسية بالمغرب، تفاجؤوا مطلع هذا الموسم الدراسي بقرار منع دخول جميع التلاميذ الذين يرتدون الحجاب أو العباية أو القمصان الطويلة إلى المؤسسة، بداعي تطبيق قرار السلطات الفرنسية الرامي إلى حظر جميع «المظاهر الدينية» في المدارس الفرنسية، واستنكر عدد من الآباء الإجراء الجديد للمؤسسة، وذلك في مراسلة وجهوها إلى شكيب بنموسى، وزير التربية الوطنية، من أجل التدخل وإعادة الأموال المتحصل عليها من عملية تسجيل أبنائهم، خاصة وأن المؤسسة التعليمية لم تعلن عن قرار المنع عند التسجيل في الموسم الدراسي الحالي، بل أعلنت عنه بعد استيفاء رسوم التسجيل الدراسية.
في هذا السياق، قال نور الدين عكوري، رئيس فيدرالية جمعيات آباء وأولياء التلاميذ بالمغرب، إنه «من غير القانوني ومن غير السليم أن تصدر تلك المؤسسات التابعة للبعثات الأجنبية قرارات تتضارب مع توجه الدولة وتعارض المبادئ العامة، حيث إن المغرب دولة مسلمة بنص الدستور والحجاب يدخل في هذا الباب»، مضيفا أن «الفيدرالية لم تتوصل بعد بشكاية الآباء، غير أننا نند بإقدام تلك المؤسسات على تنزيل مثل هذه القرارات، علما أن دفتر التحملات التي تشتغل على ضوئه يلزمها باحترام مبادئ الدولة»، مؤكدا أن «التلاميذ المغاربة والمسلمين في فرنسا ملزمون بالخضوع لقرار السلطات الفرنسية بنزع الحجاب في المؤسسات التعليمية، وكذلك هذه المؤسسات الفرنسية ملزمة بالخضوع للتوجهات العامة للدولة التي توجد بها»، مضيفا أن تلك المؤسسات «ملزمة أيضا بتخصيص قاعات الصلاة لتلاميذها وأطرها من المسلمين، كما يفرض القانون ذلك»، مشيرا إلى أن مدارس البعثات «تكون تابعة لدولها في تطبيق المقررات الدراسية، وليس في توجهات اللباس وما شابه».