الفساد المتحور
يعتبر الفساد من الفيروسات المتحورة الخطيرة التي تنخر المؤسسات وتعيق تقدم البلاد، وتساهم في عرقلة كافة المشاريع التنموية والمبادرات الملكية لتحقيق العيش الكريم للمواطن، وتضرب مبدأ تكافؤ الفرص بين الجميع كما نص على ذلك دستور المملكة، وتساهم في هدم الثقة بين المواطن ومؤسساته لتعطل العدل وتشعل نار الفتن والاضطرابات الاجتماعية.
لقد أثبتت لوبيات الفساد المتحور قوتها وحربائيتها في مواجهة حملات محاربتها لوقف نزيف خسائر بالملايير يتكبدها الاقتصاد الوطني نتيجة انتشار الفساد في البر والبحر، وضياع فرص التنمية ومناصب الشغل، حيث تم إقبار أو تأخير إلى أجل غير مسمى العديد من مشاريع القوانين التي يمكنها تخليق الحياة العامة، من مثل تجريم الإثراء غير المشروع الذي كان أمل الجميع أن يتم تنزيله بصرامة لكشف حيثيات انتقال منتخبين ومسؤولين من مهن بسيطة أو منصب وظيفي عادي إلى مصاف المليونيرات وملاك الضيعات والمشاريع العقارية وتبييض الأموال والعلاقات الخفية مع شبكات الاتجار الدولي في الممنوعات.
إن التهرب من الصرامة في محاربة الفساد بواسطة التشريعات القانونية الحديثة التي تواكب العصر ويمكنها تحقيق نتائج جيدة على أرض الواقع، مرده إلى خوف الأحزاب من انكشاف عورتها أمام الملأ لأن العديد من المنتخبين الذين تتم تزكيتهم من قبل الأحزاب كانوا بالأمس القريب لا يملكون سوى القليل من متاع الحياة، لكن بعد استغلالهم البشع للمناصب السياسية والتواجد بالمؤسسة التشريعية، راكموا امتيازات وشاركوا في مشاريع مختلفة وتلاعبوا بصفقات عمومية بالملايير وربطوا علاقات نفعية مع مافيا العقار والاستيلاء على الغابات والأراضي السلالية ونهب الرمال وتراخيص البناء والقرارات الانفرادية، ما مكنهم من تشكيل ثروة هائلة تضمن استمرارهم بالمنصب وفق علاقات متشابكة ومعقدة مع مسؤولين وحزبيين بالمركز.
لن يسمح جيش الفساد بالاقتراب من كعكته بسهولة كما يعتقد البعض، لذلك حتى التقارير التي يتم إنجازها من قبل لجان التفتيش التابعة لوزارة الداخلية أو المجالس الجهوية للحسابات أو المجلس الأعلى للحسابات، وتصل مؤسسة القضاء للحسم في الاختلالات والتجاوزات التي تهم المال العام، يجري التعامل معها من قبل الفيروس المتحور للفساد بالتهرب من المتابعة القضائية بواسطة الشهادات الطبية العضوية والنفسية، وطرح المبررات التي تحول دون تسريع المحاكمة، حتى أن بعض القضايا توفي المتابعون فيها لطول سنوات المحاكمة والإجراءات والاستدعاءات والخبرات وما شابه ذلك.
نحن بحاجة لتشريعات قانونية جديدة، تتعامل بصرامة مع الفساد المتحور الذي ينخر صحة المؤسسات ويضاعف علتها ويجعلها رهينة لوبيات متحكمة تحاول بكل الوسائل إقناع المواطن بأن هذا مصيره المحتوم، لتجنب المقاومة وتسفيه مطالب التغيير وتخليق الحياة العامة، والشفافية التي يمكن من خلالها فضح عورة الفساد ومعها من يقف خلفه من فزاعات التخويف من مبادرات الإصلاح وتسريع التشغيل والصرامة والجدية في تفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة.
هناك تقارير بالجملة في مواضيع اختلالات تسيير الشأن العام وصرف المال العام وتدبير الصفقات العمومية ومشاريع إصلاح التعليم، وجب الحسم فيها من قبل المؤسسات المعنية وإطلاع الرأي العام على النتائج، مع ضرورة تصفية تراكمات الملفات القضائية وتسريع المحاكمات لإعادة أجواء الثقة للمؤسسات المنتخبة وتشجيع الاستثمار والمستثمرين والنهوض بالبلاد وتحقيق التقدم والازدهار الذي ينشده المغاربة خلف ملكهم محمد السادس.