شوف تشوف

الرأي

الفريضة الإنسانية الغائبة

 

حمدي رزق

 

«أوصي أنا (-)، مصري الجنسية، بالتبرع، بعد وفاتي، بأعضاء جسدي وأنسجته وأي جزء منها يمكن زراعته مستقبلا وفقا للتقدم العلمي، للمحافظة على حياة شخص (مصري الجنسية)، أو علاجه من مرض جسيم، أو استكمال نقص حيوي في جسده.

وتم تحرير هذا (-) بإرادة حرة مستنيرة لا يشوبها غلط أو تدليس، وأقر بأنه لا يجوز لورثتي الحصول على أي منفعة، أو المطالبة بأي مقابل مادي أو عيني، جراء تنفيذ هذه الوصية».

أعلاه أول نموذج (صك) للتبرع بالأعضاء بعد الوفاة، أصدرته وزارة الصحة رسميا، وبموجبه يمكن توثيق الرغبة الطوعية في التبرع، وتسليم المتبرع (كارنيه التبرع) ساري العمل في أي مستشفى.

الوزارة أنجزت فروضها الإدارية، والأزهر الشريف والكنيسة المصرية أبديا موافقة (نهائية) على أن التبرع من المتوفى إلى الحي من الأمور الجائزة شرعا، وهو ما أوضحته «دار الإفتاء» بجائز شرعا، لأنه من الوسائل الطبية التي ثبتت جدواها في العلاج والدواء والشفاء؛ بل مستحب وواجب في بعض الأحيان، وفقا للدكتور «علي جمعة»، مفتي الجمهورية الأسبق.

يبقى دور النخبة النابهة لإحداث «حالة تبرع» تسري كالتيار الموجب في جسد المجتمع، الذي لا يزال (سلبيا) على حاله رافضا الفكرة، بفعل فاعل رسخ في الوعي الجمعي على مدار عقود سبقت «حرمة التبرع بالأعضاء من المتوفين إلى الأحياء».

دور النخبة مستوجب في الإقبال على التبرع فرادى وجماعات، وإعلان هذا التبرع في الفضاء الإعلامي والصحفي والإلكتروني لإحداث الحالة، والتطبيع مع المصطلح، وحرث الأرض من تحت الأقدام المترددة تبرعا.

فيما ندر من أصحاب الريادة متحلين بالشجاعة الأدبية، والحس الإنساني الراقي، يُعدون على أصابع اليد الواحدة، النخبة لا تزال غير متحمسة للفكرة، ولم تمدها بصكوك التبرع، ورغم أنها فكرة من بنات أفكار نخبويين، وعمل عليها نخبويون، فإنها لا تزال مُعَلقَة في سماء النخبة، غريبة لم تتجسد مجتمعيا بعد.

أتخيل وزير الصحة، الدكتور «خالد عبد الغفار»، يصطحب رموز المجتمع جماعة إلى مركز التبرع لتوقيع صكوك التبرع، في مشهد وطني راق يجسد فكرة التبرع بالأعضاء في الحالة الوطنية.

وأتخيل طابورا من الأطباء يتهيؤون لتوقيع صكوك التبرع في «دار الحكمة»، باعتبارهم حافظين لكتاب التبرع، ومهمومين بالتبرع تلبية لطوابير الانتظار الطويلة في مراكز نقل الأعضاء!

إذا لم ينفر الأطباء فرادى وجماعات إلى توقيع صك التبرع بالأعضاء، فمَن ذا الذي سينفر لاحقا؟

أحلم بصك تبرع مُوَقع من نقيب الأطباء، الدكتور «حسين خيري»، وتخيلت أنه سينفر ونخبة من رموز المجتمع الطبي، (العلامة الدكتور مجدي يعقوب، والمُقدَّر الدكتور محمد أبو الغار، والعالِم الدكتور أحمد عكاشة.. والمحترم الدكتور صلاح الغزالي حرب، ووو..) ممن تضيق المساحة عن ذكرهم، ينفرون جماعة إلى لقاء الإمام الأكبر، الدكتور «أحمد الطيب»، ليحصلوا من فضيلته على (صك تبرع)، وفعلها سلفه طيب الذكر، الإمام الدكتور طنطاوي، رحمة الله عليه، ورحل وفي جيبه صك تبرع رقم (1).

ومثله يحصل النقيب والمُقدَّرون على (صك تبرع) من البابا «تواضروس الثاني»، بطريرك الكنيسة المصرية، ليضرب قداسته المثال لعموم الشعب المسيحي في قلب الشعب المصري حفزا على التبرع بالأعضاء، وهكذا من أعلى تنساب التبرعات كزخات المطر تروي الأرض العطشى، لإحداث الحالة المطلوبة لتفعيل «الفريضة الإنسانية الغائبة».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى