الفراشة
هي
كنتُ أكتب الشعر، وكنتَ أنت تحبه وتقرؤه. التقينا ذات ربيع على صفحتي بالموقع الاجتماعي «فايسبوك» التي جعلت لها اسم «الفراشة»، وعبّرت لي عن إعجابك بقصائدي. وعلى الخاص، تبادلنا الحديث الجدي منه والتافه؛ إلى أن صرنا صديقين مقربين.
ولأنني لم أكن أكلمك لوحدك، وجدتُ بدا في إخفاء صراحتي عن الجميع. كنتُ خفيفة في الكذب، وأطير من كذبة إلى أخرى في رشاقة ومتعة. لم أخبرك باسمي أو سني أو عملي أو أي أمر يرتبط بخصوصياتي، وأعطيتك معلومات خاطئة عني كباقي الذين كنت أتبادل معهم الحوار على صفحتي، وأرسلت لك صورا ليست لي، وادعيت ما لا يخصني، ووجدتك تقع في غرامي كأي أبله بليد. لم أكن، بدوري، متأكدة من المعلومات التي كنتَ تخبرني بها. كنت أشك في كل كلمة تقولها لي؛ ومع هذا، لم أعر اهتماما للأمر، ولم أكلف نفسي عناء التحقق ما دمت أعتبرك مجرد معجب من المعجبين الذين أكلمهم وليس لي هدف إلا الترفيه عن نفسي عبر هذا العالم الخيالي.
وفي يوم، جاء أحد أصدقاء أخي لخطبتي، فقررت الكف عن المزاح عبر الأنترنيت. وأول ما فعلته قطع الحديث معك ومع غيرك، والبدء في الاستعداد للعرس؛ وخصوصا أن صديق أخي كان يعجبني كثيرا. كانت أختي التي تكبرني شديدة الغيرة مني، ولم تكن لتقبل أن أتزوج قبلها. ومن ثم، استغلت كوني كنت أحدثها عنك سابقا، لتبحث عنك وتخبرك بحقيقتي لتقرر أنت معاقبتي على كذبي وتلاعبي بمشاعرك. وهكذا، ذهبت والتقيت في الواقع بخطيبي، وأفسدت مشروع زواجي، وقتلت فراشتي بأن أغلقت بسببك صفحة الشعر إلى الأبد.
هو
كنت تكتبين الشعر بإحساس جميل. عشقت كلماتك، وأسعدني أن أكلمك في رسالة خاصة فتجيبيني. أحببت طريقتك في الحديث، وبلاغتك في اللغة، ورؤيتك العميقة للحياة. كنت تناقشينني في الأمور، وأجدك ذكية، وتفكرين بعقل، وتضعين الخطط بروية.
لم أتوقع أبدا أن تكوني كاذبة، ولا يمكن أن أفعل، فكيف لشاعرة بمشاعر مرهفة أن تكون كاذبة مدعية؟ لم أتخيل، أبدا، أن يكون كل ما قلته من صميم الخيال ومن صنع الوهم. انسقت من وراء كل ما تقولينه، وبدأت أقع في عشقك رويدا رويدا. أعطيتني أملا في الحصول عليك، وفي لقائك الذي قمت بتأجيله مرارا. كنا نقطن المدينة نفسها بينما أخبرتني بأنك مهاجرة وتعيشين ألم الغربة. استطعت أن أجزم بأنك تقاسين خارج الوطن، وكنت أتمنى معك عودة إلى حضنه ولم لا إلى حضني أنا. توطدت علاقتنا إلى درجة أصبحنا نتشارك كل تفاصيلنا اليومية. تفاصيلي كانت واقعية طبعا بينما تفاصيلك واهية. ودون سابق إنذار، قطعت حديثك لتتركيني في حيرة من أمري. خفت أن يكون مكروها قد أصابك، ولم أجد الاسم الذي أعرفك به في أي مكان.
أيام طويلة من البحث تلتها رسالة غريبة، كانت دعوة لقاء من فتاة تدعي أنها أختك. وطبعا، أسرعت للقائها لأجد المفاجأة في انتظاري. ودون تردد، كان عليّ كشف أمرك لذلك المغفل الذي كنت ستتزوجينه، وأرسلت إليك رسالتي الأخيرة والتي نصحتك فيها بتغيير اسم الصفحة من «الفراشة» إلى «الأفعى»؛ فهو اسم يليق بك أكثر، فعلى الأقل سيعرف المقتربون منك أنك تنفثين السم وليس الشعر.