«الغالي» على أصدقائه..
يونس جنوحي
الرحلة تبدأ دائما من تندوف. بجواز جزائري باسم آخر، للانتقال إلى دولة أخرى للعلاج. هذه المرة كانت الوجهة إسبانيا، وقبلها كانت هناك دول أخرى.
لم يبدأ الأمر مع إبراهيم غالي، بل تكرر كثيرا مع عبد العزيز المراكشي الذي كان لديه هو الآخر جواز جزائري يُسافر به بعيدا عن هويته الحقيقية. ولو أنه حلّ في بعض الدول المحترمة في السنوات الأخيرة من حياته لتم التحقيق معه في المطار على خلفية تهم أهمها التلاعب بالمساعدات الإنسانية التي توجه إلى سكان مخيمات تندوف، واشتباه علاقته ببعض الصحراويين الحاصلين على الجنسية الإسبانية في قضايا تتعلق بغسيل الأموال واقتناء العقارات في دول أوربية وفي أمريكا اللاتينية أيضا، بأموال غير مجهولة المصدر. لكنه كان يسافر بجواز عادي يحمل شعار الجمهورية الجزائرية، ليتجنب صداع الرأس.
إبراهيم غالي، اسم آخر بنفس الخلفية. لا يستطيع، حتى عندما كان قادرا على الوقوف على رجليه، أن ينفي عن نفسه التورط في التعذيب والجرائم ضد الإنسانية، والتي أدانتها بالمناسبة منظمة الصليب الأحمر الدولي في تقاريرها، حيث تتحدث هذه التقارير، وهي متاحة للعموم، عن تعرض معتقلين مغاربة في المخيمات التي كان يشرف عليها إبراهيم غالي للاحتجاز القسري والتعذيب وهناك من لفظوا أنفاسهم تحت سياط الجلادين الذين كانوا يعملون تحت إمرته. وعندما عاد الناجون إلى أرض الوطن تحدثوا عن المآسي التي عاشوها وزكوا تقارير الصليب الأحمر.
إبراهيم غالي يكلف أصدقاءه والمحيطين به «غاليا». وهو ما يجعله مرة أخرى يستحق هذا الاسم. بغض النظر عن مصاريف تنقلاته خلال سنواته بروزه إعلاميا زعيما للانفصاليين، يكفي فقط النظر إلى الحماقات التي اقترفها أنصاره خلال السنوات الأخيرة. هزائم على الميدان وتراجع إلى الخلف، في مقابل حصار سياسي كبير ضده بسبب سحب بعض الدول البساط من تحت قدميه واعترافها بمغربية الصحراء. إذ أن هذه الدول اكتشفت أنها لا يمكن أن تدعم شخصا مثل إبراهيم غالي، نظراته وحدها كافية لتكذيب كل ما يرمي إليه.
في عز أزمة كورونا سُجلت رحلات جوية من المطار الصغير في منطقة تندوف نحو الجزائر العاصمة. وهو ما يعني أن قادة البوليساريو كانوا يتحركون في اتجاه النظام الذي يمول وجودهم، ولا يوجد مانع من استثنائهم من لوائح المحظوظين الحاملين للجواز الجزائري الدبلوماسي، والذين يقضون عطلهم ورحلاتهم السياحية وحتى الاستشفائية في أرقى المصحات في سويسرا وألمانيا وفرنسا.
لكن مغامرة نقل إبراهيم غالي، الذي تلاحقه منظمات حقوقية دولية مؤازرة لملف المُختطفين المغاربة منذ نهاية السبعينيات في عدد من المناطق في الصحراء على يد الانفصاليين، يعد مخاطرة دبلوماسية كبيرة. ورغم التكتم الجزائري على الموضوع، إلا أن خبر دخوله إلى إسبانيا للعلاج لم يصمد في السرية طويلا.
كم تكلفة علاج هذا الرجل المريض الذي يمثل وضعه الصحي حالة التنظيم الذي يوجد على رأسه؟ إن استمراره وأمثاله في اللعبة، بدعم جزائري مفتوح، رهين بتمسكهم بموقفهم المعادي للمغرب، رغم أنهم أكثر الناس فوق سطح الأرض علما أنهم لا يُسيرون دولة ولا يحزنون.
كل ما في الموضوع أنهم يُجبرون سكان الخيام في تندوف على البقاء هناك أطول فترة ممكنة، حتى يتسنى لهم مراكمة التحويلات المالية فترة أطول. لكن مراهنة الانفصاليين على شخص مثل إبراهيم غالي، يقول إنه يمثل دولة «يا حسرة»، ويتنقل مثل مهربي المخدرات وتجار السلاح القدامى، بجواز سفر غير صحيح، فلا يمكن إلا أن يكون جنونا يكلف «غاليا».