شوف تشوف

الرأيالرئيسية

العنف في الحركات الإسلامية

 قرأت لكاتب مغربي معروف اعتبر أن العنف موجود مثل الخطأ الكروموسومي في أتباع حركة الإخوان منذ لحظة ولادتهم، فهو خطأ فادح. وقد يكون مصدر هذا بعده عنهم وعدم الاحتكاك بشخصيات عاصرت نشأتهم، وعدم قراءة أدبياتهم بدقة. وأنا أعرف عبد الحليم أبو شقة، رحمه الله، الذي كان من عناصر التنظيم الخاص في مصر، وهو الذي كتب في انتقادهم، ولكن لم يأبه له أحد. والنظام الخاص هو تنظيم مسلح سري أنشأه حسن البنا بيده، وكان سبب مقتله، بعد أن قتلت جماعته النقراشي، رئيس الوزراء المصري. ويومها خرجت جنازة تطالب برأس البنا. ولكن الناس لا يعرفون هذه المعلومات ولا يقرؤون كثيرا وطال عليهم الأمد. و(يداك أوكتا وفوك نفخ) كما يقول المثل العربي (أعرابي أراد أن يعبر نهرا على ظهر قربة منفوخة فغرق، لأن يداه ربطتا عنقها، وفمه الذي نفخها لم ينتبه إلى وجود ثقب قاتل فيها).

وفي زيارتي الأخيرة إلى مسقط، عرفت سبب مقتل باقر الصدر، رحمه الله، على يد صدام، حينما دعا إلى تبني العمليات العسكرية للإطاحة بالنظام. وحينما تستبيح دم الآخرين يجب أن تعترف بأنك أصبحت مستباح الدم. وهذا نقص في الوعي السياسي لباقر الصدر، مع أنه كتب مجلدات ضخمة في اقتصادنا وفلسفتنا والبنك اللاربوي وسواه.

والبعض يعتبر أن مشكلة العنف ولدت مع فكر سيد قطب. وفي الطب، يصاب الإنسان بالتهاب الكبد الوبائي، ولكن لا يظهر المرض إلا بعد فترة حضانة، وفكر سيد قطب مرض نشأ من حضانة حسن البنا، رحم الله الاثنين. وهذا من ذاك. وسيد قطب من حسن البنا. وفي ظلال حسن البنا، نشأت حركة التنظيم الخاص، وحاول حسن البنا لاحقا أن يحد من سطوتهم ويقلم أظفارهم، بل والتخلص منهم، كما روى لي ذلك فتحي رضوان شخصيا، ولكنه كان مثل خبير المتفجرات يحاول فك لغم أرضي فانفجر به. هذا إن أحسنا الظن به. ولكنه في المؤتمر الخامس، صرخ بكل قوة أنه إن اجتمع لديه اثنا عشر ألفا فلن يغلب عن قلة، ولسوف يقهر بهم كل جبار عنيد.

ومشكلة العنف بتعبيرنا والجهاد بتعبيرهم مشكلة لا حل لها، ما لم نحل مشكلة الخوارج القديمة الجديدة. وفهم ماذا تعني فكرة الجهاد وكيف يعمل الجهاد، أي فهم آلية الجهاد وما وظيفته، وبيد من وضد من. ولقد كتبت أنا شخصيا أربعة كتب عن هذا الموضوع، واشتغلت عليه منذ أكثر من ثلاثين سنة. ولكن يبدو أن كل ما نكتب لا قيمة له، والشعوب تتعلم بالمعاناة أكثر من الكتابات، ونحن من يكتب نسبح في بحر من الأميين. ولكن كل المفاجأة أن يفوت مثل هذا الشيء عن مفكرين كبار فيقولون إن العنف لم يكن موجودا مع نشأة الحركات الإسلامية، وخاصة منها العربية كما هو الحال مع الإخوان المسلمين وحزب التحرير، الذي قام بدوره بمحاولات انقلاب عسكرية.

والترابي في السودان ونظيره في أكثر من قطر عربي فعلوا وركبوا ظهر الحصان العسكري، فجمح بهم. وكان حظ الترابي كبيرا أنه حافظ على رأسه فدفن مع رأسه ورجليه، وغيره حاولوا أو يتلمظوا لهذا الشيء. ولعل ما فعل الإخوان في سوريا كان النموذج الواضح في فهمهم لحل المشكلات. وإذا كان الإخوان قد استنوا سنة الخوارج، فلا يعني هذا أن البعث حكومة عمر الفاروق. وهي ذرية بعضها من بعض. ولو نجح الإخوان في قلب البعثيين، لفعلوا قريبا مما فعل الرفاق. والقاتل والمقتول في النار. والحركة الإسلامية في الجزائر فعلت الشيء نفسه، حينما حيل بينها وبين الكرسي.

ولعل الحركات اللاعنفية لا تمت بصلة للوسط العربي مثل الأتراك، أو كما حصل مع بداية الثورة في إيران أو مظاهر الربيع العربي في تونس، التي اعتمدت اللاعنف سبيلا للتغيير، وكان المتظاهرون يضعون الورد في فوهات البنادق ويقولون: «أيها الجندي المسلم لا تقتل أخاك».

غير أننا في عالم العروبة عموما، فبيننا وبين روح غاندي مسيرة سنة ضوئية. وغاندي كرر عمل الأنبياء باعتماد تغيير الإنسان وتحريره من علاقات القوة. وأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وليس حكامهم وجلاديهم.

ونحن هنا لسنا بصدد انتقاد حركة دون أخرى، ولكن الانتباه إلى أن العنف نحن الذي نسميه عنفا، أما هم فيسمونه الجهاد في سبيل الله. وهذه عقدة العقد وما لم تحل هذه العقدة فلا نجاة. ومن يتكلم في العادة هم وعاظ السلاطين، والجماهير لا تصدقهم والشباب يحاربونهم ولا يعتبرونهم مرجعية. وأمثالنا من يتكلم لا يسمع لهم أحد. وتأتي قمم من المفكرين العرب فيبرئون من يجب وضعه تحت المنظار النقدي، لنعرف أن قاعدة ابن لادن كانت القاعدة الصلبة الواعية في مصر أولا، قبل أن تطير إلى جبال تورا بورا، ثم تصدم أبراج نيويورك. وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون.

خالص جلبي 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى