الطب بين الأمس واليوم
يونس جنوحي
لا زلنا في المغرب، رغم كل ما قيل وما قد يقال، لا نعرف الكثير عن واقع الطب في المغرب.
الذين كانت لديهم تجارب إيجابية مع المستشفيات العمومية حيث أنقذت الأطر الطبية أحباءهم من حالات حرجة وظهر لهم بالملموس مقدار التضحيات التي تقدمها أطر بعض في نكران كبير للذات، أصبحوا ينظرون بإيجابية إلى المستشفيات العمومية.
أما الذين كانت لهم تجارب مع الإهمال الطبي وغياب المعدات الضرورية للإنعاش وأبسط لوازم التطبيب والتدخل الجراحي العاجل، فإنه يصعب على أي حكومة أو حزب سياسي، إقناعهم ببرنامج لإصلاح قطاع الصحة في المغرب.
عندما خرج عبد الإله بنكيران قبل ثلاثة أيام لكي يتحدث للمغاربة عن مستقبل المغرب ومن يصلح لرئاسة الحكومة، فإنه نسي ربما أنه كان أول من دعا بصراحة إلى بيع قطاع الصحة وخوصصته وتسليم المغاربة بجلدهم إلى مافيات القطاع الخاص.
وعندما يصرح سياسي بربع هذا الكلام في مكان آخر من العالم، فإنه يتوصل مباشرة بعد نهاية ولايته باستدعاء إلى المحكمة حيث لا يتبقى له أي وقت لبث “اللايفات” من فوق “السدادر” البلدية.
أراد بنكيران بيع قطاعي الصحة والتعليم. وهما القطاعان اللذان يدلان في أي بلد في العالم على وجود الدولة وبهما يظهر عمل الحكومات وتقيم حصيلتها قبل مغادرة المسؤولية.
لو أن تجربة حكومة 2012 مددت لفترة أخرى، وقرر فعلا رئيس الحكومة السابق بيع قطاع الصحة، كيف ستواجه الدولة وباء كورونا الذي أربك كبريات الدول التي تتوفر على منظومات صحية عريقة ومتقدمة؟
لا بد وأن شركات خاصة، ربما أجنبية، كانت لتتحكم في المغاربة وتقرر إما أن تسمح لهم بالعيش، أو تبيعهم الأوكسجين بالميلغرام.
إنه لمن العار السياسي أن يتحدث رجل أراد بيع قطاعي الصحة والتعليم بدل أن يحل مشاكلهما، عن الإصلاح السياسي والفساد في عز الحملة الانتخابية.
وكما تعلمون، فإن مشكلتنا نحن المغاربة أننا لا نقرأ. يكفي أن يذهب عبد الإله بنكيران، أو من يصوره، إلى أقرب حاسوب أو هاتف نقال، ويجرب البحث قليلا في أرشيف مكتبات الدول المتقدمة في مجال البحث العلمي، مثل الولايات المتحدة الأمريكية مثلا، ويرى ماذا جمع هؤلاء الناس عن أرشيف الطب الاستعماري في المغرب. لديهم وثائق لا تتوفر عليها حتى الحكومة الفرنسية التي كانت دولة حامية للمغرب خلال القرن الماضي. وهذه الوثائق توضح المسار الذي مر به قطاع الصحة في المغرب منذ قرون وكيف أنه كان دائما قطاعا مملوكا للدولة تظهر به تحكمها في الأمور كلما اجتاحت البلاد أمراض أو أوئبة.
بل إن مفهوم التطوع الطبي والقوافل الطبية ظهر في المغرب قبل أن تتأسس الولايات المتحدة الأمريكية، حيث كان أجدادنا الأطباء المغاربة يشدون الرحال من مراكش، بأمر من يوسف بن تاشفين، أي قبل قرابة ألف سنة تقريبا، إلى الصحراء الافريقية لتقديم العلاج لبعض البلدان التي تمر منها قوافل التجاربة المغربية حتى لا يصل الوباء إلى المغرب.
هذا طبعا دون الحديث عن مؤلفات الأطباء المغاربة القدامى سواء في عهد ابن تاشفين أو قبله، حيث ألفوا مراجع طبية في جراحة العيون والتشريح الطبي وعلاج الأوبئة بل كانوا أول من أسس لمفهوم التعقيم الحراري، ولا تزال نظرياتهم تُلقن في كل كليات الطب عبر العالم.
وها هو واحد من أحفادهم أراد بيع تدبير المستشفيات حتى لا تبقى لدى حكومته مسؤولية عما يقع في دهاليز المستشفيات. والحمد لله أن الأمر لم يتم، وإلا لكنا أمام أكبر كارثة سياسية قد تصلح لكي تُلقن في تخصص العلوم السياسية، حتى يفهم الناس لماذا تموت رموز الأحزاب، لكنها لا تتحلل.