شوف تشوف

الرأي

الطائفية (1)

خالص جلبي
الطائفية مرض مثل القراد في النحل، والسل في البشر، والجنون في البقر. والطائفة حقيقة مثل الشمس والقمر.. وحين يقدم رجل الطائفة من هو في طائفته، فقد انمحق المجتمع بتقديم أرذل صفاته والقضاء على أبدع ما وضع الله فيه. وفي بلد مثل سوريا ليس كل طائفي حزبي، وليس كل طائفي مرتزق، وليس كل طائفي جلاد ومنتفع. كذلك فاليهودي في الأرض ليس صهيونيا على نحو أكيد، وهناك من اليهود من يعتنق الإسلام، مع أن نبي الرحمة يقول: «لو آمن بي عشرة من اليهود لآمن بي اليهود». مع هذا ففي مونتريال رأيت أعلام إسرائيل مقامة في حارة يهودية، وهم في كندا وليسوا في إسرائيل. وفي سجن الشيخ حسن كان من عذبني ديري اسمه يوسف طحطوح وهو سني وليس شيعيا (يسمونهم نصيريين في سوريا)، ومن أشرف على تعذيبي الليلي مجند سني من حلب، كان حريصا أن لا أرفع دولاب السيارة من ظهري، وأنا أستقبل الحائط ليلا نهارا في أيام نحسات متتابعات. وكانت فكرة تعذيبي البطيئة هي ما تفتق عنها عقل السادي (السني) يوسف طحطوح، وليس أبو طلال (العلوي = النصيري) المساعد الذي كان يأتي فيرحمني ويرفع عني الدولاب راحة لي، فأنا له شاكر بعد نصف قرن. ويومها قال لي مساعد المخابرات الحمصي أبو طلال العلوي، إن مسألة الانقلابات انتهى وقتها وحكمنا باق إلى قيام الساعة..
واليهود والعلويون متشابهون، وليسوا الوحيدين في الأرض؛ فأولئك متعاطفون مع إسرائيل، وأولئك يرون أن هذا العهد هو العصر الذهبي لهم. ولا يعني أنه لا يوجد ناقمون ومتمردون، ولكن السؤال الحاسم عن (الكتلة الكبيرة الحرجة) من غوغاء الجمهور العمياء المنحدرة إلى مستنقع قذر من حيث أرادت أو لا تريد. ولذا فقد ورطت الصهيونية كل اليهود في صراع تاريخي مع العرب والمسلمين، سوف يقضي عليهم في النهاية؛ فالحملات الصليبية السبع انتهت بالفشل والحالية لن تخرج عن هذا المصير. وكذلك فإن الأسد (الأب الانقلابي) وعصابته ورطوا الطائفة العلوية من حيث أرادت أو كرهت في هذا المستنقع النجس الملعون، فبرمجوا لحرب أهلية قادمة (وهو ما حدث مع انفجار 2011م) فجعلوا كتلة العلويين الضخمة تلتحم مع النظام، بغض النظر عن أفراد شرفاء، أو تنظيمات لا قيمة لها، أو تجمعات ضعيفة. صحيح أن المستفيد من النظام هم عصابة وعائلات إقطاعية مسلحة حتى الأسنان، منها العلوية وغير العلوية، ولكن الكتلة الساحقة من العلويين مرتبطة مع النظام على نحو عضوي، مع العلم أن النظام يشبه تركيبة (فرانكنشتاين) كما سنشرحها لاحقا؛ فهذه حقيقة موجعة، ويجب الوقوف أمامها حتى لا نقول يوما يا ليتنا نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل؛ فحيثما نظرت، وفي أي مركز حساس اجتمعت، خاصة في الجيش والأمن والاستخبارات والأركان، عرفت بدون جدل أن كل المفاتيح الحساسة هي في يد علوي (نصيري)، أو من هو تحت يدي علوي؛ أو مراقب من رئيس علوي.
الكل يكذب على الكل، والكل ينكر أنه سمع بمرض طائفي. والكل يصر على الأسنان للانتقام يوم لا ينفع مال ولا بنون. ومن نطق به حوكم بتهمة الطائفية؛ فندم على اليوم الذي ولدته فيه أمه. فيقول يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا. وأفضل علاج له الاعتراف به، كما كان أفضل علاج للخراج فتحه للخارج، وإلا فتح نفسه للداخل فأصيب المريض بتسمم دموي فمات به، ولكن هل اعترف البابا ألكسندر السادس أنه مصاب بالزهري (الإفرنجي)؟ والعالم العربي مصاب ليس بمرض الطائفية فقط، بل بكومة من الأمراض. كل مرض بمفرده مصيبة، وكل مرض لوحده يقضي على الإنسان. مثل مريض في العناية المشددة قفز السكر عنده إلى 600 ملغ ودخل في غيبوبة وأصيب بقصور كلوي حاد، وارتفعت عنده الحرارة إلى ما فوق الأربعين. والعالم العربي يحفل بأمراض شتى من (القبلية) و(احتقار المرأة) و(الإيمان بالغدر) و(تأليه الزعيم) و(عبادة القوة)، يضاف إلى ذلك مرض الأمراض بتسلط المخابرات والمباحث. منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك. ومثل السوء على ذلك أن أول شيء برعت فيه السلطة الفلسطينية صفر مثل ملائكة العذاب بتسعة عشر جهازا أمنيا. ومن الملفت للنظر أن أجهزة الرعب في أقطار أخرى اشتقت اسمها من فلسطين فما عجزت عنه بقية الأجهزة، حله فرع فلسطين بكل اقتدار. وفلسطين لا علاقة لها بفروع التعذيب لمواطن مسكين مكروب. وغالب أقطار العروبة وقعت في قبضة مافيات عائلية، ومعظم أقطاره تحكمها عائلات إقطاعية مسلحة، وكلها مربعات لسجن الضمير. مع هذا فهناك دول عربية ليس فيها مرض الطائفية، بل يدين البلد كله بالإسلام وبمذهب واحد سني مثل ليبيا، ولكنه مبتلى بأشد من الطائفية من جنود فرعون وهامان.
وجثة العالم العربي اليوم تنهش فيها الديدان والذباب من كل صنف زوجين. فبلد عموده الفقري طائفي، وآخر الأمن المركزي، وثالث قبائل بني دوس وهذيل، ورابع دعوة الانتساب إلى النبي بسلسلة ذهبية، وخامس يزعم أن الكريات الحمراء التي تدور في عروقه ملونة بلون نبوي أخضر. ومنهم من زعم أنه وصل إلى حل كل مشاكل الجنس البشري، بما وضع نفسه في مكان الله رب العالمين بقرآن أخضر، كما نعرف عن البائس القذافي قبل أن يغيبه التراب في قبر مجهول. إننا نعيش عصر الجنون العربي بدون مصحات عقلية وأسوار وأطباء، فإذا تأملت الرؤوس والأقمشة رأيت تناوب الألوان والأشكال تعلن احتكار الحقيقة بدون أي حقيقة. وفي يوم رأى مالك بن نبي معمما بالطربوش الأحمر التركي، فقال إن الحضارة دخلت من رجليه ولم تصل رأسه بعد، إنه يستخدم الدين والعقيدة كأداة للركوب على ظهر جمهور أخرس. فليس أفضل من الحديث بالدين، وليس أسهل من وضع طيلسان على الرأس وتطويل اللحية قبضة، وتقصير العقل شبرا، طالما كان المتحدث الممثل الشرعي الوحيد لله.
(يتبع)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى